صالح التيزاوي
رغم أنّ من كان مثلي من عامّة الشعب الكريم (وهو كريم لأنّه أنجز ثورة الحرّيّة والكرامة)، لا يملك إحصائيات دقيقة لوقع التّغيير الوزاري الأخير على الشّعب التّونسي، إلّا أنّ ذلك لا يمنعنا من القول بأنّ فريقا هامّا من التّونسيين لم يكترثوا بهذا التّغيير (أغلبهم من الشّباب والمستقلّين) لأنّهم فقدوا الأمل في انصلاح الأوضاع. ولم يدر هؤلاء أنّ الثّورة المضادّة منذ أن أخذت بزمام المبادرة قد اشتغلت على هذه النّتيجة…
الوصول بالنّاس إلى حالة من الإحباط والتّيئيس من إمكانيّة نجاح الثّورة. أما أنصار الثّورة والذين مازالوا يراهنون (دون برنامج) على إمكانيّة نجاحها انتابهم إحساس بالمرارة وهم يتابعون الإعلان عن التّشكيلة الوزاريّة. البعض رأى فيها انقلابا ناعما على الثّورة واستحقاقاتها. والبعض الآخر رأى فيما حصل إعلانا عن وأد الثّورة. واكتفى هؤلاء بمناحة “فيسبوكيّة”، تذمّّ وتلعن من كان سببا فيما وصلنا إليه (عودة النّظام القديم).
والحقيقة أنّ المتسبّبين كثر: أوّل هؤلاء “نداء تونس” بحكم انتمائه للنّظام القديم، وبما أنّه نسخة معدّلة منه اشتغل منذ تأسيسه على الثّورة المضادّة بطريقة ناعمة دون أن يغفل الواقع
الثّوري الذي يتحرّك فيه، لذا فإنّه لم يجازف في حكوماته السّابقة بتسمية وجوه نوفمبريّة اشتغلت عند المخلوع وتحت إمرته. أمّا اليوم فيبدو أنّه قد اطمأنّ إلى غروب ربيع الثّورة وخفوت صوت أنصارها فقدّم وبكلّ تحدّ للثّورة ولأنصارها ولشهدائها وجوها من النّظام القديم بانتظار الفرصة المناسبة لاستعادة المشهد النّوفمبري بالكامل: مزيد من التّازمّ والتّعفّن حتّى يسهل إقناع من تعسّرت معيشتهم أنّ الثّورة أنزلتهم من جنّة اجتماعيّة واقتصاديّة وربّما زادوا في تبييض المرحلة النّوفمبريّة (بشويّة شعارات عن حداثة مغشوشة وتطوّر مزعوم ومساواة في الميراث، وهاك الحديث الخشبي الذي لم يقدّم للشّعب إلّا الوهم على امتداد ستّين عاما من البلّوط…).
المشكلة الثّانية تتمثّل صراحة في حركة النّهضة التي راهنت على جرّ النّدائيين إلى مربّع الدّيمقراطيّة ولكن يبدو أنّ الطّبع غلب التّطبّع فالنّدائيّون لا يستطيعون أن ينكروا أنّ الدّيمقراطيّة جديدة عليهم وأنّهم ليست لهم بها سابق معرفة، فهم ينسلون من نظام أقام حكمه على الإستبداد وملاحقة معارضيه. وليس في سلوكهم ما يدلّل على احترام المؤسّسات الدّستوريّة التي أنتجتها الثّورة، لأنّهم يتمسّكون بملفّات ليست من استحقاقات الثّورة: مثل تمرير قانون المصالحة مع اللّصوص الذين نهبوا أموال الدّولة والشّعب والتّلويح بتعديلات دستوريّة تعيد
تجميع السّلطات في قبضة واحدة كما كانت قبل ثورة ديسمبر جانفي، وبذلك يغلقون ملف الثّورة نهائيّا قبل أن تأخذ وضعها الطّبيعي في المناهج التّربويّة كشأن كلّ الثّورات في العالم.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.