لمثل هذا يذوب القلب كمدا…
صالح التيزاوي
ذات شتاء شديد البرودة امتزج فيه بياض الثّلوج بحمرة الدّماء، رفع الزّعيم البوسني علي عزّت بيقوفيتش يديه إلى السّماء: “إلى اللّه نشكو برد الشّتاء وتخاذل المسلمين”. كان ذلك في “سراييفو” عاصمة البوسنة، لمّا اشتدّت وطأة جرائم المتطرّفين الصّرب على المسلمين في حملة تطهير عرقي وديني قيل عنها: إنّها الأفظع في تاريخ البشريّة، لكونها تمّت في أوروبا “قلعة الحرّيات”. ولم يتدخّل العالم “الحرّ”، عالم “الميثاق العالمي لحقوق الإنسان” إلّا بعد أن استكمل الصّرب مهمّتهم.
حوصرت غزّة ومازالت حتى منع عن أطفالها وعن مرضاها الدواء، ورفع أهلها أيديهم إلى اللّه: “يشكون غطرسة الصّهاينة وتخاذل المسلمين”، فكان ردّ “ملوك الطّوائف” تبرّعات ضخمة لـ”كريمة ترامب” دعما لـ”أعمال الخير” في أمريكا، ومزيدا من التّحريض على المقاومة الفلسطينيّة وحصارا لأشقّائهم…
وهاهي اليوم حملة تطهير ديني وعرقي تشمل الأقلّيّة المسلمة في مينمار، يشنّها متطرّفون بوذيون على المسلمين: تقتيلا وتشريدا… مرّة أخرى يرفع المستضعفون في الأرض أيديهم إلى السّماء “يشكون إلى اللّه بطش البوذيين وتخاذل المسلمين”.
ولا من من مجيب ولا من مغيث، لأنّ “مدن النّفط” تحت حكم “آل زايد” و”آل سعود” منشغلون بتدبير المكائد للثّورات العربيّة، وإبرام صفقات الأسلحة الباهظة لتقتيل المسلمين في اليمن، وإعداد العدّة لقمع شعوبهم إن هم فتحوا أفواههم مطالبين بالحرّيّة. هل هؤلاء حكّام “يتقرّب المسلمون إلى اللّه بطاعتهم؟” ؟ فظاعات شاهدة على عجز المسلمين وعلى نفاق عالم “المرجعيّات الكونيّة”، وعلى نكبة الإنسانيّة في ضميرها وفي أخلاقها. وعلى عجز المؤسّسات الدّولية المعنيّة بقضايا السّلم في العالم وصمتها المريب وازدواجيّة معاييرها كلّما كان المسلمون هم ضحايا التّطرّف والإرهاب. إنّه لأمر مستهجن أن يتحدّثوا عن حقوق الإنسان وعن مرجعيّة الحقوق الكونيّة بعد الفاجعة التي حلّت بالأقلّيّة المسلمة في مينمار… فكم يستغيث بها الضّعفاء وهم قتلى ومشرّدون فما يهتزّ الضّمير العالمي لمأساتهم، وما تحرّك المسلمون لنصرة إخوانهم، وما أفرجت “مدن الملح والنّفط” عن جزء من أموالها الطّائلة لتوفير خيمة أو علبة دواء أو حفنة من “الرّزّ” لإخوانهم في الدّين من أجل المحافظة على الحياة، ليس أكثر، إن لم يقدروا على تجييش الجيوش وممارسة الضّغط لتخفيف معاناتهم.