الأحد 29 يونيو 2025
صالح التيزاوي
صالح التيزاوي

بشّار من “الممانعة” إلى “التّجانس”

صالح التيزاوي
أعلن زعيم الطائفة العلويّة أنّ سوريا خسرت الكثير في بنيتها التّحتيّة وأنّها خسرت الكثير من رجالها وهو يقصد بطبيعة الحال “شبّيحته” واركان عصابة الأسلحة الكيمياويّة والبراميل المتفجّرة  واالمرتزقة من العصابات الشّيعيّة الذين أعانوه على جرائمه البشعة بحق شعب ثائر على احتكار “حزب البعث” والطّائفة العلويّة للسّلطة في بلد متعدّد الأعراق والأديان والطّوائف ذوات المشارب الفكريّة والسّياسية والثّقافيّة.
تبيّن من تصريحات “زعيم الممانعة” بما لا يدع مجالا للشّكّ أنّ ما سمّاه أركان دعايته من “مليشيات الإعلام” الحرب على الإرهاب كانت محض كذب وافتراء والدّليل على كذبهم تلك الممرّات الآمنة التي وفّرها “حزب الشّيطان” للدّواعش وللنّصرة ليخرجوا من سوريا، إمّا باتّجاه العراق أو باتّجاه مناطق أخرى من الأقطار العربيّة، بعد أن اكتملت مهمّتهم في تخريب الثّورة السّوريّة. هل من المعقول أنّ نظاما يدّعي مقاومة الإرهاب يوفّر انسحابا آمنا وممرّات آمنة للإرهابيين ؟ لقد لاحظ كثير من المحلّلين انّ نظام البعث في سوريا كان بإمكانه مع حلفائه من الغزاة الرّوس والمليشيات الشّيعيّة أن يلحق في وقت مبكّر جدّا هزيمة مؤكّدة بالدّواعش. ولكنّه لم يكن جادّا في ذلك بل بدا كمن يخرجهم من ركن إلى آخر ومن بلدة إلى أخرى ليكونوا اداته في تصفية المعارضة الحقيقيّة المعترف بها دوليّا.
لا ريب أنّ الدّواعش هم صنيعة البعث السّوري ذو الطبيعة الإجراميةّ لتشويه الثّورة السّوريّة التي انطلقت سلميّة مطالبة بالمساواة التّامّة بين مكوّنات الشّعب السّوري على قاعدة المواطنة والحرّيّة للجميع وانتزاع حقّ الشّعب السّوري في اختيار حكّامه في انتخابات حرّة ونزيهة كشأن سائر الشّعوب الحرّة على وجه الأرض. ولكنّ “الزّعيم الطائفي” أخرج العصابات المتطرّفة من السّجون واستدعى آخرين من الجوار ووفّر لهم دخولا آمنا وأمدّهم بالأسلحة المتنوّعة وأطلقهم في البلدات السّوريّة مستغلّا التّناقضات الفكريّة بين الدّواعش ومكوّنات المعارضة الدّيمقراطيّة في سوريا. وبذلك أوهم العالم (الذي يعرف هذه الحقيقة) بأنّه لا يواجه ثورة سلميّة وإنّما يواجه إرهابا مسلّحا. ولكن إذا كان العالم مقتنعا بأنّ الدّواعش من صنع النّظام لماذا تخلى عن المعارضة؟
لأنّه ببساطة لا يريد للثّورة السّوريّة ولسائر الثّورات العربيّة ان تبلغ مداها في الحرّيّة والسّيطرة على ثروات البلاد واستقلال قرارها. ولا يريد لها أن تحقّق تغييرات إيجابيّة وعميقة في أيّ من بلدان الرّبيع العربي. إنّ عقليّة الهيمنة الإستعماريّة تريد للشّعوب العربيّة أن تبقى تابعة ليس لها سلطة على قرارها ولا على ثرواتها ولا تتطلّع إلى توفير الشّروط الأساسيّة للوحدة. لقد نجح نظام البعث في سوريا بزعامة بشّار أن ينتج واقعا مشحونا بالخوف من الإرهاب أتاح له ان يتحرّك بحرّيّة لتشويه الثّورة السّوريّة أوّلا ثمّ الإجهاز عليها ثانيا. لقد أكلت الحرب السّوريّة الملايين من الشّعب السّوري وتشرّد الملايين ليظهر بعد ذلك سفّاح الشّام ويتحدّث عن “انتصار” بلون الدّم ورائحة الموت: “لقد كسبنا مجتمعا متجانسا”.
تسقط في هذه الحالة وفي غفلة من وعي قاتل الأطفال مقولة “الحرب على الإرهاب” وتتكشّف النّوايا الحقيقيّة لسفّاح الشّام والمتمثّلة في القضاء على التّنوّع الذي عرف به المجتمع السّوري. لقد أباد نظام القتل والإرهاب في سوريا ما أباد من شعبه وشرّد ما شرّد من أجل بلوغ غاية حقيرة “تحقيق مجتمع متجانس”. أيّ “نظام إجرامي” هذا الذي اشتغل طيلة حكم “آل الأسد” بمطاردة الحرّيّة بذريعة “رصّ الصّفوف”، وألغى التّداول السّلمي على السّلطة بذريعة “الممانعة”، وها هو يلاحق ببراميله المتفجّرة التّنوّع الثّقافي والفكري (الذي هو عامل ثراء وإغناء عند الشّعوب) بحجّة تحقيق “التّجانس الإجتماعي”؟
سؤال بسيط نتوجّه به لحملة الفكر القومجي، أعداء التّنوّع، وانصار “التّجانس” الذين جعلوا من مجرم سفك دماء شعبه “نبيّ العروبة” في هذا الزّمن الأغبر وشدّوا الرّحال لتقبيل الأيادي والتقاط الصّور في قصر يحرصه الغزاة ورقصوا على جثث الضّحايا، إذا سلّمت الأمّة زمام أمرها لعقيدتكم الشّوفينيّة، كم يلزم أن يموت من العرب حتّى نشهد “تجانسا” بين قطرين عربيين (لا أكثر) يؤهّلهما للوحدة ؟ وكيف ستحقّقون “التّجانس” بين الأقطار العربيّة المختلفة أصلا في أنظمة حكمها وفي أعراقها وفي مشاربها الفكريّة (رغم توفّرها على عناصر الوحدة). لا شكّ
أنّكم لا تملكون تصوّرا لإدارة التّنوّع خارج “حل”ّ البراميل المتفجّرة وما “جانسها”.

للفنان السوري المبدع علي فرزات

اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

صالح التيزاوي

هل هي ليلة بدء الحساب؟

صالح التيزاوي  لقد سبق للكيان منذ عام 48 أن واجه أنظمة عربية ولكن لم يسبق …

صالح التيزاوي

الأمّة الصّائمة و الصّامتة

صالح التيزاوي  يقول الأمريكان وبعض حلفائهم، إنّهم يبحثون إنشاء ميناء بحري في غزّة لإغاثة أهلها …

اترك تعليق