العيد : مقاصد وثقافة سلوكيّة
منجي باكير
العيد هو مناسبة روحانيّة في جوهرها وفي أصلها الذي تنبني عليه كل الطقوس والأعمال المادّية وتكون لازمة له (أي للأصل الروحاني) ولابدّ أن تكون هذه الأعمال والطقوس منبثقة من ذات القيم الروحيّة ووفْقها في المشروعيّة والضوابط،،، فالعيد هو الذكرى الخالدة التي يحييها أتباع الشريعة المحمّدية أسوة بأبي الأنبياء إبراهيم واتّباعا لرسول الرّحمة عليهما صلوات ربّي وسلامه، ذكرى عبادة ربّانية تجمع بين كثير من القيم كالتضحية والفداء والخضوع وخصوصا التسليم لأوامر الله -وحده- ونفي الخيرة للعبد أمام ما حكم ويحكم به ربّ العالمين الحكيم، الخبير العليم والرؤوف الرّحيم…
وعليه فإنّ هذه الأمّة الإسلامية تتوحّد في هذا اليوم الذي تختم به أحسن أيّام الله، يوم العاشر من ذي الحجّة، الأيام التي خصّها الله بالتكريم وجعل لها بركات ونورانيّات تفوق سائر أيام البشر،،،
والعيد لا يكون عيدا ولا يتأتّى معناه ولا تحصل فائدته إلاّ إذا اكتملت مقاصده وأهدافه واستقامت سلوكاته ومنها التواصل بين النّاس وأوّلها وصل الرّحم، والإحساس بمن يقاسمنا الأمكنة والأزمنة والعمل على تغيير ما كان عندنا من مفاهيم خاطئة وأفعال غير مستقيمة، إدخال الفرحة على المسلمين انطلاقا من العائلة بالتّوسعة عليها واللّين والرّفق في معاملتها ثم في دوائر تكبر وتتوسّع لتشمل الجيران والحيّ والقرية وكلّ من تربطنا به علاقات اجتماعيّة أوسع و أعمّ…
العيد مناسبة للتقييم الذّاتي، لتزكية الرّوح، لتزكية المال وللتفكّر في دورة الحياة والموت وما بينهما وما يجب أن يكون عليه الإنسان من قرب إلى شريعة الله حتى يستقيم أمره فيأتمر بأوامر الله في تسليم ورضاء ويقين ثابت لا يداخله الشكّ ولا تزحزحه المحن، كما يجب عليه أن يقف عند نواهي الله ومحارمه في ذات الإيمان واليقين بإعتبار أنّ الآمر والناهي هو الله جلّ جلاله وهو رحيم رحمان لا يكلّف الإنسان إلاّ ما في وسعه ولا ينهاه إلاّ عن ما يضرّه أو يضر المجموعة أو يخرق سنن الحياة وينافي الفطرة الإنسانية. عندها فقط يمكن لهذا الإنسان أن يجني لذّة الإيمان في هذه الحياة الدّنيا ويخلص إلى يوم الميعاد بزاد يترقّب فيه القبول والتزكية والزّيادة من الله الوارث الكريم.
هو العيد وهذا من جملة ما يجب على ذوي النّفوس السّويّة أن تغتنم من مجيئه وأن تنمّي فيه إيمانها ويقينها بالخالق سبحانه وتعالى،، عيد، أعاده الله على الأمّة بالعزّة والكرامة والنّصر والوحدة والرجوع إلى ما شرعه لهم.
كلّ عام وأنتم بخير وهناء وصفاء، كلّ عام أنتم أنقى وأرقى وأتقى