التحوير الوزاري المنتظر… أفق غامض لفكرة وُلدت ميّتة
زهير إسماعيل
بعد عام على حكومة يوسف الشاهد، لا حديث هذه الأيام إلاّ عن مسألة التحوير الحكومي. وهل يكون قبل العيد أم بعده؟ وهل يكون تحويرا واسعا (جهات حزبية واجتماعيّة) مثلما ترى بعض الجهات أن يكون تحويرا جزئيّا (حركة النهضة). ويمتدّ تصوّر هذا التحوير عند الأطراف السياسيّة والاجتماعيّة الموقّعة على اتفاق قرطاج من مجرّد سدّ الشغور إلى تحوير عميق يشمل أهمّ الوزرات بتكليف كفاءات عالية قادرة على مواجهة الملفات الكبرى.
وتتعمّد الأطراف الموقّعة على اتفاقيّة قرطاج والمشارك منها في الحكومة القفز على:
• أنّ الموقعين على اتفاق قرطاج خلطوا بين المبادئ والبرامج، فاتفاق قرطاج مبادئ عامّة لا يختلف فيها إثنان (داخل تونس وخارجها) مثل مقاومة الإرهاب ومحاربة الفساد. هي مبادئ عامة لم يبذلوا جهدا في تفصيلها إلى خطط وبرامج ولم ينجحوا في إخراجها من التجاذب السياسي.
وكان النجاح في دحر الإرهاب نتيجة جهد استثنائي من المؤسستين الأمنية والعسكريّة، ولو بنيت استراتيجية وطنيّة في الغرض لكانت النتائج أفضل. وتمثّل الحملة على الفساد التي قادها رئيس الحكومة، مثالا عمليّا على الفشل في تطوير الحملة الجزئيّة إلى سياسة دولة.
• ضرورة أن يكون التحوير الوزاري أيّا كان حجمه نتيجة تقييم دقيق شامل وموضوعي لأداء الوزارات والخروج بخلاصات. فالتقييم لم يحدث، وهو ما يؤكّد أنّ ما سيكون من تحوير لن يخرج عن التجاذب العقيم داخل الائتلاف الحاكم و”حزامه السياسي”. وغياب التقييم يضعف مصداقيّة الوزارة بين الناس، ويهمّش المقاييس التي على ضوئها تسند المناصب، ويجعل في التكليف بخطّة الوزارة كثيرا من الاعتباطيّة. وكل هذا يفتح الباب أمام مراكز النفوذ واللوبيات ولاسيما لوبيات الفساد لكي يكون لها يد في التعيينات، وهو ما لوحظ في حكومة السيّد يوسف الشاهد.
• الحصيلة الكارثية لحكومة يوسف الشاهد حتّى أنّ وصفها بالحكومة الفاشلة لم يعد يحطي بحقيقة المصير المفزع الذي ينحدر اليه الدينار وتعطّل الاستثمار وانهيار المقدرة الشرائية وارتفاع نسب البطالة وهيمنة لوبيات الفساد المالي ودورها في تشويه الاقتصاد لتحقيق الربح السريع وغير المشروع وامتداد أثرها إلى الحياة السياسية وتهديد المنظومة الديمقراطيّة.
• العجز عن مواجهة الأزمة المركّبة ومفاقمتها بغياب البرامج والبدائل الجادة: أزمة ماليّة اقتصاديّة هيكلية تتجه بالبلاد إلى الإفلاس وبالدولة إلى الفشل، وأزمة سياسية عميقة هي نتيجة مباشرة لانتخابات 2014 ومخرجاتها السياسيّة، وما انجرّ عنها من ازدواجيّة في مستوى الحكم (تسوية سياسية: استئناف الحرب الهووية من داخل الدولة وبوسائلها) والمعارضة (وظيفية: الجبهة الشعبية، وعضوية: التيار المواطني الاجتماعي).
والأهم من كل ما تقدّم هو أنّ الحديث عن التحوير الوزاري:
• يتمّ في ظل ضعف تعرفه المعارضة وعجز التيار المواطني الاجتماعي عن أن يخطو الخطوات الضرورية في تأسيس القوّة الثانية التي تحتاجها المعادلة السياسية وتحتاجها الديمقراطيّة لتخرج من حقيقتها التمثيليّة التي هي عليها اليوم الى مستقبلها التشاركي والمحلّي.
• يشهد على سقوط تجربة ما سمّي بحكومة الوحدة الوطنيّة، رغم المكابرة التي عليها هذا الخليط السياسي الهجين الموقع على اتفاقيّة قرطاج، والذي منع الفرز السياسي الحقيقي في صلب بتزييف الصراع والاجتهاد في إلغاء منع اجتماع شروطه.
حكومة الوحدة الوطنيّة لم تكن حكومة وحدة وطنيّة، وما نجح فيه رئيس الجمهوريّة هو أنّه أفسد الفكرة ومدلولها الإيجابي مثلما شوّه بن علي الديمقراطيّة والشفافية والحوكمة الرشيدة وصارت لا تعني عند الناس إلاّ نقيض معناها. وصارت من المعجم الكريه مثل ديونهم الكريهة.
منظومة 2014 لا تريد أن تعلن فشلها، ولا يُسعفها من الاستمرار إلاّ ما حولها من فراغ نتيجة ضعف الجديد وتشتته وعجزه واهتراءه والأخطر إصابة مستويات منه بأخلاق القديم في وقت قياسي حتى كادت تتكافأ أخلاق الجهتين والجديد إلاّ في القليل النادر. ولقد كان من نتيجة أن تشظّى القديم ليقيم توازنا هشّا تحتاجه الحياة السياسية، فصار منظومات ثلاثة توجه المشهد وتفعل فيه وترسم مستقبله: منظومة التوافق (السبسي/الغنوشي) ومنظومة بقايا السيستام (لطيّف) ومنظومة المغامرين الجدد (الشاهد)…
التحوير الوزاري محاولة يائسة لرسم أفق لفكرة ولدت ميّتة هي فكرة حكومة الوحدة الوطنيّة التي كان يجب أن تكون منطلقا وأساسا سياسيا لمشروع التأسيس، ولو كتب لمنظومة 23 أكتوبر 2011 أن تبني فكرة حكومة الوحدة الوطنيّة لفاقت نسبة النمو 7%، ولدخولنا باكرا معركة ناجحة ضد البطالة والفقر والتهميش… هكذا قال خبراء الاقتصاد.
سقطت تجربة “حكومة الوحدة الوطنيّة” لافتقادها للشروط الدنيا، وتبقى الفكرة قائمة وأفقا للأزمة التي نعيش رغم غياب أهمّ شروط نجاحها، إلاّ من رهان على “خوف جماعي” من انهيار المعبد على من فيه… فلا أفق إلاّ ببرنامج إنقاذ مالي اقتصادي على أرضية توافق سياسي واسع وهدنة اجتماعيّة بأفق توفير شروط صلبة لانتخابات ديمقراطية وشفافة في 2019 تكون الانتخابات البلدية والمحلية (يبدو آنها ستؤجّل) مناسبة لاختبار شفافيتها ونزاهتها وديمقراطيتها..