ثقافة الـ (أنا خير منه)..
نور الدين الغيلوفي
ثقافة مدمّرة.. هي ميراث إبليس “أنا خير منه”.. لا يمكن أن تقيم دولة مدنية ظللنا ننشدها لخلاصنا..
إنّما نجحت الثورة في طرد رئيس عصابة السرّاق لأنها كانت خالية من الحسابات الركيكة.. ثمّ تفرّق أنصار الثورة من بعد ما جاءتهم الانتخابات ونكص كل طرف على عقبيه يبحث له عن قنّ قديم يدفن فيه رأسه حتّى لا يرى منافسه.. كأطفال انخرطوا في لعبة ولمّا فرغوا من السباق غضب المتخلّفون ونكثوا عهودهم.. دفنوا الرؤوس في أوكارهم القديمة، قبل أن يتعهّدوها بالتطهير، وتركوا مؤخَّراتهم لأبناء القديمة يفاحشونهم نكاية في المنتصرين..
لقد نسي الجميع مبادئ الثورة وأهدافها وتخلّوا عن أحلامهم وندموا على ما كان من أفكارهم.. باعوا الاختلاف وأنكروا التعدّد وكفروا بالتنوّع وصارت الدولة المدنية وراءهم وبات الانسجام التام مطلبهم ورضوا بمضيق أسموه النمط.. يدافعون عنه كائنات جاءتهم من خارج الأرض فهم يجاهدون جهادهم المقدّس لطردها واستئصالها…
وصار الديمقراطيون دكتاتوريين فاشيين والوحدويون انفصاليين شوفينيين والاشتراكيون ليبراليين متوحشين واللادينيون مفتين والمتدينون كهنوتيين..
انقلب الجميع على أعقابهم يرتلون حجة إبليس اللعين “أنا خير منه”..
لن نقتحم العقبة ما لم نتعقّل ونتدبّر.. و”نسترجل” وإلا خلا الجوّ للفقمات تمخر عباب المسابح لتعيد سيرتها فينا تزرع فينا “طحينا” يلد قهرا وكبتا.. وعادت إلى مسامعنا تلك الأنشودة الرديئة “بالأمن والأمان يحيا هنا الإنسان”.. ولا أمان ولا إنسان ولا هم يحزنون…
الجماعة الذين يندبون البلاد ويرْثون لحالها هم: إما منتفع قديم من أبناء القديمة يحرقه الحنين إلى ما كان فيه من نعيم بين يدي بوه الحنين.. وإما ساذج يحسب الثورة نقطة فاصلة بين لحظتين: شرّ رُفع وخير وُضع.. ولمّا طال به الانتظار انقلب ساخطا…
يا سادة.. إنها ثورة.. وإنها لمعركة طويلة ومسار متعرّج والعاقبة فيها لأصحاب النفس الطويل..
إذا كان بقايا النظام لم ييأسوا ورئيسهم قد هرب فكيف تيأسون؟ أتخافونهم؟