“مشايخ الأزهر” أم “مشايخ العسكر” ؟
صالح التيزاوي
علّق “مشايخ العسكر” في مصر على الجدل الدّائر في تونس بمناسبة الدّعوة التي أطلقها البعض لتحقيق المساواة في الميراث بين الجنسين بأنّ ذلك يعدّ مخالفة صريحة للشّرع.
يا “مشايخ العسكر”: أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم؟ لقد انقلب السّيسي على الرّئيس الشّرعي المنتخب ديمقراطيّا من الشّعب المصري ولم نسمع لكم همسا فهل ما اتاه السّيسي موافق للشّرع ؟ ولقد راح ضحيّة العمليّة الإنقلابيّة آلاف القتلى في “رابعة” و”النّهضة”، وذهب أضعاف أضعاف أعدادهم إلى محتشدات الموت بحضور لافت لـ “عمائمكم”. ألم يكن ذلك مخالفا للشّرع ؟
لقد ارتكب السّيسي أفظع عمليّة قتل جماعي على مرأى ومسمع من العالم وآثرتم الصّمت حتّى لا تغضبوا العسكر. بل إنّّكم وفّرتم غطاءا شرعيّا للقتلة بزعمكم أنّهم يعملون “لمصلحة الوطن” وأيّّ مصلحة للوطن في قتل أبنائه يا شهود الزّور ؟ وزعمتم أنّ من قتلوا هم إرهابيون فكذبتم على الأحياء ولم يسلم من أذاكم حتّى الأموات. أليس ذلك كلّه مخالفا للشّرع؟ لقد سالت دماء الأبرباء أنهارا ودخلت مصر أسوأ مرحلة استبداد في تاريخها دون أن تنتصروا للضّحايا وللنّفس البشريّة التي حرّم الله قتلها. فهل يحقّ لكم اليوم أن تقدّموا للتّونسيين والتّونسيات دروسا فيما يوافق أو يخالف الشّرع ؟ أين ذهب حرصكم على الشّرع عندما حوّل السّيسي المنقلب “القضاء الشّامخ” في “المحروسة” إلى منصّة لإصدار أحكام جماعيّة ومتكرّرة بالإعدام بحقّ رافضي الإنقلاب؟ ولماذا لم تنتفضوا من أجل العدل ؟ ألم يأمر الشّرع بالتزامه؟ فهل توظيف القضاء لخدمة العسكر والإنتقام من خصومهم موافق للشّرع ؟ ألم يأتكم نبأ “قاضي الإعدامات” وهو ينطق بأحكام الإعدام الجماعي دون وجل من الله ومن العدالة التي ينطق باسمها ؟ لقد جعل الشّرع للنّفس البشريّة حرمة ليس لها مثيل حيث شبّه قتل النّفس البشريّة مهما كان جنسها أو دينها بقتل النّاس جميعا ولكن العسكر انتهك حرمتها فخرستم ولم تقولوا بأنّ ذلك مخالف للشّرع؟ لقد عربد السّيسي كما لم يعربد أحد من قبله وعبث بالشّرع كما لم يعبث به أحد مثله. ولم تكتفوا بالصّمت إذ خانتكم الشجاعة لقول كلمة حقّ عند سلطان جائر بل اتّهمتم الضّحايا زورا وبهتانا بجريمة الإرهاب، فوفّرتم غطاءا شرعيّا للقتلة حتّى أسرفوا في القتل. ما أقلّ حياءكم وما أقلّ مروءتكم وما أشدّ نفاقكم إذ تتحدّثون عن مخالفات شرعيّة في تونس؟
لقد تعرّض شعب مسلم في شهر رمضان المعظّم إلى حصار ظالم تقطّعت بموجبه الأرحام، وكان “وليّ امركم” أحد أطرافه ولم تقوموا بواجب النّصح للّه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم، ولم تنكروا ذلك على مقترفيه أيّها الكهنة من أجل كسرة خبز مغموسة بدماء الأبرياء أيّها الأوغاد. فهل يحقّ لكم اليوم ان تقدّموا دروسا لغيركم في” المخالفات الشّرعيّة”؟ لسنا في حاجة إلى دروس في احترام الشّرع من “فقهاء السّلطان” ومن “ماسحي أحذية العسكر” وممّن باعوا دينهم بدنياهم. الإسلام لا خوف عليه في تونس لقد حرّرته ثورة الحرّيّة والكرامة من احتكار الحكّام والأحزاب وأرجعته إلى الشّعب صاحب السّلطة لحمايته ممّن يريد توظيفه لمصلحته.
نعم قد نختلف بشان قضايا كثيرة حتى الدّينيّة وقد يحتدم النّقاش بين الرّؤى المختلفة ولكنّنا وفي كلّ الاحوال لن نحسم خلافاتنا بالقتل والتّنكيل فذلك عهد مضى. الآن أصبحت الدّولة تتوفّر على مؤسّسات ديمقراطيّة قادرة على حسم خلافاتنا بطرق سلميّة شأن كلّ الشّعوب المتحضّرة. فاحتفظوا بنصائحكم لأنفسكم فأنتم أولى أن تعملوا بها.