لماذا كلّما تكلّم المرزوقي قصفوه وخوّنوه ؟
صالح التيزاوي
كلّما تكلّم الرّئيس السّابق في وسيلة إعلام أجنبيّة (مع أنّه لا يظهر في وسائل الإعلام المحلّيّة) إلّا نصبت له الجماعة النّوفمبريّة منصّات متزامنة لقصفه في الصّحف المكتوبة والإذاعات والقنوات التّلفزيّة، بما يوحي وانّ حملة التّشويه والكذب منظّمة وتصدر عن غرفة واحدة.
في شهر فيفري الفارط توجّه فريق من التّونسيات ممّن كنّ يغنّين للمخلوع اغنيته المحبوبة “الله أحد وبن علي ما كيفو حد”، للتّظاهر امام منزله مطالبات بإسقاط الجنسيّة عنه وبمحاكمته على خلفيّة تصريح له اعتبر حينها إساءة للمجتمع التّونسي. واليوم وعلى خلفيّة ما جاء في شهادته على العصر بقناة الجزيرة تتحرّك نفس الوجوه النّوفمبريّة لتشنّ حملة شرسة على الرئيس السّابق. هذه المرّة يتّهمون الرّجل بـ “إفشاء أسرار الدّولة” وهي تهمة كانت على عهد المخلوع تقود صاحبها إلى حبل المشنقة. إنّه إيحاء خبيث بانّ من جاءت بهم الثّورة للحكم ليسوا “رجال دولة”. ولا يحترمون أسرارها.
لقد تابعنا شهادة الرّئيس السّابق ولم نر فيها ما يسيء للدّولة التّونسيّة. بل هي مجرّد شهادة للتّاريخ قد تكون لازمة للتونسيين لمعرفة حقيقة ما جرى أيّام حكم الترويكا. لماذا إذا هاج وماج النّوفمبريّون ؟ولماذا أخذتهم تلك الهستيريا إلى حدّ المطالبة بمحاكمته وكأنّ الرّجل حكم ربع قرن ؟ اشتعلت الحملة على أعمدة صحف عرفت قبل الثّورة بتخصّصها في إشاعة “ثقافة المناشدة” وتلميع صورة المخلوع في الدّاخل والخارج. فبعضهم كان يكتب “لماذا نحبّه” والبعض الآخر كان يشهد زورا على “نزاهة الإنتخابات”. ولا يمكن لعاقل أن يتصوّر أنّ تلك الخدمات كانت من دون مقابل. ليس مستغربا أن يقف هؤلاء في وجه الثّورة ورموزها بدوافع من “الجبن والطّمع”. لقد أدرك هؤلاء أن مصلحتهم مع الثّورة المضادّة فانخرطوا فيها. إنّ حقد هؤلاء على الثّورة ألجأهم إلى حدّ المطالبة بشطبه من قائمة رؤساء تونس، إسقاطا لاوّل تجربة ديمقراطيّة في تونس وفي العالم العربي. أعتقد أنّهم بهذا الطّلب كشفوا عن حقيقة دواخلهم. مثل هذه الحملات المسعورة تؤكّد أن أصحابها لا تحرّكهم الغيرة على الدّولة وإنّما تحرّكهم الرّغبة في الإنتقام من الثّورة وتداعياتها.
كما أنّ كثيرين ممّن تزعّموا الحملة على الرّئيس السّابق هم من الذين وردت أسماؤهم في “الكتاب الأسود” لكونهم كانوا ضالعين في التّزلف للمخلوع والتّجسّس على المواطنيين من خلال الشّعب المهنية التي لعبت دورا سيّىئا في المجتمع، بما يعني أنّهم كانوا جزءا من منظومة الفساد. حقيقة الأمر هؤلاء لا ينتقمون لـ “شرف الدّولة” كما يزعمون وإنّما ينتقمون لأنفسهم ممّن كشفهم للتّونسيين. وليس الهدف من حملتهم “تحصين الدّولة”، وإنّما “تحصين الفاسدين”. وليس سبب الإنزعاج كشف أسرار الدّولة وإنّما كشف جرائم الثّورة المضادّة بحقّ الثّورة التونسية.
لقد تأكّد للنّوفمبريين أنّ الرّئيس السّابق بات العنوان الأبرز للثّورة وبات يسبّب لهم وجعا مزمنا. لذا فإنّهم لن يتوقفوا عن مهاجمته بمناسبة أو دون مناسبة. غايتهم مما يمكرون “قطع الطريق على الرّجل” حتى لا يعود إلى المشهد السّياسي مجدّدا ويفسد عليهم حلم الإنقلاب النّاعم على الثّورة ومسارها ولعلّ ذلك هو المقصود من حديثهم عن “الإستثناء التّونسي”.