عندما يتبارى الشعراء في رثاء الوطن
لطفي الراجحي
تفيض قريحة نزار وتفحمها ردود تميم البرغوثي وقيس عبد الرحمان عمر وسناء عبد العظيم وكواعب البراهمي برثاء الوطن الذي لم تفارقه المراثي يوماُ من الأيام فهو على طول الطريق كمن يلهث وراء الحزن والموت والفقر.
يبدو إن عهد الشعر بالنكسات والهزائم ليس جديدا… شعراء يبكون امة فقدت وتفقد جزءا من جغرافيا هي علامتها وتاريخا شكل هويتها. وهذا الفقد صار له تداعيات لا يدركها إلا الشعراء وهنا نلاحظ لجوءهم إلى تحريك الوتر العاطفي كي يقرع ضمائر القراء أملا في تصويب المواقف بالمعنى الذي يحمل قوة الحكمة رغم أنه :
قيل في الشعر ما لو أن أحرفه صارت رصاصا لحررنا فلسطين…
عندما غنت فيروز:
الآن، الآن وليس غداً … أجراسُ العودةِ فلتُقرع
رد عليها نزار قباني:
مِن أينَ العـودة فـيروزٌ … والعـودة ُ تحتاجُ لمدفع
عـفواً فـيروزُ ومعـذرة ً … أجراسُ العَـودة لن تـُقـرع
غنت فيروز مرددة … آذان العرب لها تسمع
خازوقٌ دُقَّ بأسـفـلنا … من شَرَم الشيخ إلى سَعسَع ْ
ومن الجولان إلى يافا … ومن الناقورة إلى ازرع
خازوق دق بأسفلنا … خازوق دق ولن يطلع.
أما تميم البرغوثي فيقول رداً على نزار :
عـفواً فيروزٌ ونزارُ … فالحالُ الآنَ هو الأفظع
إنْ كانَ زمانكما بَشِـعٌ … فزمانُ زعامتنا أبشَع
أوغادٌ تلهـو بأمَّـتِـنا … وبلحم الأطفالِ الرّضـَّع ْ
والمَوقِعُ يحتاجُ لشعـْب … والشعـبُ يحتاجُ المَدفع ْ
والشعبُ الأعزلُ مِسكينٌ … مِن أينَ سيأتيكَ بمَدفع ْ؟ا
والشعب العربي ذليلٌ … ما عاد يبحث عن مدفع
يبحث عن دولار أخضر … يدخل ملهى العروبة أسرع.
رد شاعر عراقي على قصيدتيْ نزار قباني وتميم البرغوثي :
عفواً فيروز ونزار … عفواً لمقامكما الأرفع
عفواً … تميم البرغوثي … إن كنت سأقول الأفظع
لا الآن، الآن وليس غداً … أجراسُ التّاريخ تُقرع
زلم قد باعوا كرامتهم … وفراش الذل لهم مخدع
تصغي لأوامر أمريكا … ولغير “أيهود” لن تركع
فالآن الآن لنا وطن … يصارع آخره المطلع
بغدادٌ لحقت بالقدس … والكلّ على مرأى ومسمع
عفوا فيروز…سيدتي … لا اشرف منك ولا ارفع
نزار قال مقولته … اكلم نزار فليسمع
إن كان زمانك مهزلة … فهوان اليوم هو الأفظع
خازوقك أصبح مجلسنا … “يخوزنا” وله نركع
خازوقك يشرب من دمنا … يغوص باللحم ولا يشبع
خازوقك صغير لا يكفي … للعرب وللعالم أجمع
ردا على نزار وتميم غنت فيرزو:
الآن ،الآن وليس غدا … أجراس العودة فلتقرع
فعذرا تميم و نزار … الحق يقال في المطلع
لم تكذب يوما فيروز … كل ما قالته يسمع
فالعودة بايدينا أضحت … و بنينا دشم للمدفع
لم نطلب كف من احد … فالطفل الآن له إصبع
يحفر أبارا في الصخر … لا همه دبر لا مرتع
شعاري مني لكم عفوا … قد آن الأوان فلتقرع
خازوق لن يبقى فينا … قد رمي بحرا لن يرجع
غنت فيروز مرددة
الآن، الآن وليس غدا … أجراس العودة فلتقرع
أضحى الخازوق بعدو … ولا هم عنا من “بعبع”
لن تبقى ارض محتلة … إن كان هناك من مخدع
لطفل بحجره قاوم … “مركافا” منها لم يجزع
قد آن أوان فلتقرع … خازوق دق بمن كان
يوما بالأرض ولن يطلع … فالآن الآن لنا الأرض
تنبت أحرارا لن تركع … عفوا نزار وتميم
قد ان أوان فلتقرع … أجراس العودة فلتقرع
فالعودة تزهر من دمنا … وللدم مكانه في الإصبع
والإصبع زرع في كف … والكف تمد له الأذرع
وزراع قد ثقل بجسم … والجسم يشمخ كالموقع
والموقع ساتره شعب … والشعب الساتر لن يجزع
قد غابت عنه متعته … و”الثورة” أصبحت المرتع
إن كنتم شعار الكلمة … فسعيد للكلمة مرجع
ونزار قد شهد بداية … لثورة أبدا لم تقمع
فخازوق الأمس قد اقتلع … ل”يخوزق” من كان الامنع
خزوق نجر في غزة … من خشب الأرز هو المقطع
لتغوص بعيدا حربته … فالعالم كله لن ينفع
فالأرض بقانونها تمضي … وستعطي الحق لمن يدفع
دمه في الأرض فيستنبت …
ورد عليهم الشاعر السوداني قيس عبد الرحمن عمر بقوله:
عفواً لأدباءِ أُمّتنا … فالحال تدهور للأبشع
فالثورة ماعادت تكفي … فالسَفَلَة منها تستنفع
والغيرة ما عادت تجذبنا … النخوة ماتت في المنبع
لا شيء عاد ليربطنا … لا دين بات يوحدنا
لا عرق عاد فيترفع … عفواً أدباء زماني
فلا قلمٌ قد بات يوحّد أمتنا … والحال الآن هو الأبشع.
وردت عليهم جميعا الشاعرة السودانية سناء عبد العظيم بقولها :
عفواً فيروز ونزار … عفواً لمقامكما الأرفع
عفواً لتميمٍ وعراقي … إني بكلامكما لم أقنع
عفوا لأخينا سوداني … من أيدِي شعراءٍ أربع
النخوة لازالت فينا … شيباً شبّاناً أو رٰضَّع
سنعود كما كُنَّا … وسترفع أمتنا الأشرع
فيروزُ انتظري عَودتنا … كادت أجراسكِ أن ُتقرع
وتسير سفينة أمتنا … وتخوض الموج ولن تُصرع
ونَقودُ الناس كما كُنَّا … في عهد مُحمد لن نجزع
قباني صبراً قباني … المدفع يحتاج لمصنع
والمصنع أوشك أن يُبنى … والخيرُ بأمتنا ينبع
عفوا لتميم البرغوثي … فالشعب محال أن يقنع
مهلا لعراقي شاعرنا … أجراس التاريخ ستُقرع
وتعود القدس وبغدادُ … ونصلي في الأقصى ونركع
لن نرضى أبداً بالذُّلِّ … وقريباً للشام سنرجع
سنعود لنهج محمدنا … ولنهج صحابته الأرفع
ويعود المجد لأمّتنا … ونقود الدنيا نتربع
فالله وعدنا بالنصر … إنا للنصر نتطلَّع
سيعود العزُّ لأمتنا … ولغير الله لن نخضع
وترد كواعب البراهمي مصرية:
اوهام هي يا سيناء
تداعب خيالك الاروع
راعي الغنم وراعي البقر
اقامو سرادق و وقعوا
على قتل أصحاب الحضارات الابدع
على قتل اليمن وسوريا
وتشريد الوطن من القمة للمنبع
فما عاد للكلام يفيد
وما عاد الشعر يجدي او ينفع
نحتاج الان لوحدتنا
واعيننا باتت مغمضة واذننا صماء فلا تسمع
فيروز ونزار والعراقي قد صدقوا
فوطننا قد صار مباعا
فهل المباع للبائع يرجع.