عندما يرتزق بعض اليسار من شعار “التّنوّع وحقّ الإختلاف”
البعض من “اليسارجية” ممّن تجمّد تفكيرهم عند المرحلة اللينينية الستالينيّة باعتبارها التطبيق الأوّل والأفضل للنّظريّة الماركسيّة وباعتبارها “أرقى ما وصلت إليه البشريّة” في تفسير حركة التّاريخ وفي نموذجها الإقتصادي جعلوا منها “دينا” ومن رموزها “رسلا” ومن منشوراتها “أورادا” تتلى عند الصّباح وعند المساء ويوم الأحد. أعلنوا أنفسهم دعاة للنّظريّة على أبواب جنّة وهميّة. روّادها من الإستئصاليين وقطّاع الطّرق. هكذا قالوا عن أنفسهم عشيّة الإنتخابات الرّئاسيّة: “سنقطع الطّريق على المرزوقي”. وفسحوا المجال للثورة المضادّة. ربّما هو “التّكتيك” الثّوري. من لا يشاطر الرّفاق حماستهم لهذه النظريّة فهو “رجعي”،ّ يستحقّ أن يجرّد من حقّ المواطنة.
وللرّفاق قدرة عجيبة على اختلاق الأكاذيب وافتعال الأزمات وهرسلة خصومهم، زادُهم “شويّة شعارات” ماكرة، وفّرت غطاءا “لمحرقة الإسلاميين”. هل يريد الرّفاق اليوم إحياء معارك قديمة كنا نتّهم النّظام بأنّه يقف وراءها؟ أم هي العدميّة تثير غرائزهم وتأبى عليهم الإنخراط مع غيرهم في بناء وطن يتّسع للجميع خال من المحارق لأيّ من أبنائه ؟ أم هو الوفاء للطّبيعة الدّمويّة للنّظريّة مهما اختلف الواقع؟ لقد كان الرّعيل الأوّل للشيوعيين (لينين وستالين) لا يجرّدون خصومهم من حقّ المواطنة فحسب وإنّما يجرّدونهم من حقّ الحياة بداعي تطهير المجتمع من الرّجعيّة المعادية للثّورة. لا مكان لحرّية الرّاي عندما يتحكّم العنف الثّوري في إرادة الشّعوب. “مناشفة” تونس يستعيدون معارك اسلافهم القديمة وإسقاط شعاراتها على واقع ما بعد ثورة شعبيّة بهدف تجريد خصومهم من حقوق طبيعيّة ليس لأحد أن ينكرها على غيره وإن حدث ذلك فهو الغرور والتّعالي الكاذب. يفعل الرّفاق ذلك استنئافا لسيرة المخلوع واستدعاءا لسنوات الجمر.
فهل يحقّ لهم رفع شعار “التّنوّع وحقّ الإختلاف” ؟ ليس الشّعار سوى وسيلة للإرتزاق لا أثر له في سلوكهم ؟. شعار جعلوا منه لأنفسهم مغنما ولمن خالفهم الرّاي مغرما. إذ سرعان ما يتهمونه بأنه لا يؤمن بحقّ الإختلاف حيلة لتبكيت الآخرين وتفادي نقدهم: بادر إلى اتّهام خصومك بما ليس فيهم حتّى لا يتهموك بما فيك فتضعفهم وتقوّي نفسك. إنّه كبيرهم النّوفمبري الذي علّمهم الإفتراء. بعض البسطاء ربّما ينخدعون عندما يسمعون الشّيوعيين يتحدّثون عن التّنوّع والحقوق الكونيّة والمجتمع المدني وهم لا يعلمون أنّ هؤلاء يستلهمون قيمهم وأفكارهم من “ليالي السّكاكين الطّويلة”. ليال برائحة الدّم والموت. لقد أباد لينين وستالين أكثر من ستّين مليون من البشر، طالت آلة الموت كلّ من يعتنق فكرا مغايرا للشّيوعيّة تراوحت جرائمهما بين: الإغتيال السّياسي والقتل خارج القانون والنّفي والسّجن ومعسكرات الإبادة الجماعيّة والتّهجير القسري للمسلمين خاصّة.
فهل يمكن للرّفيق الجبهاوي الذي ينهل من هذا الفكر ويعتبره “أرقى ما وصلت إليه البشريّة”، أن يكون ديمقراطيّا ومؤمنا بالمجتمع المدني الذي لا تعترف به الشّيوعية أصلا؟ وإن وجد فإنّهم يعسكرونه بمليشيات القلم حتّى لا تتسلّل إليه “الرّجعيّة”. تلك الكلمة المخادعة يستعملها الرّفاق بمناسبة وبغير مناسبة لإيهام المتلقّي بأنّ محدثه “تقدّميّ” ولاستباحة حقوق من يخالفونهم الرّاي، تماما مثلما استباح بورقيبة حقوقهم تحت شعار “الطّائفيّة” واستباح المخلوع حقوقهم ووجودهم تحت شعار “التّطرّف” وبموجب منشور لا تقرّه تشريعات الأرض ولا السماء (المنشور 108).
وفيما كان أبناء الشّعب يساقون إلى محرقة كاملة الأوصاف والأركان، كان “الرّفاق الثّوار” في مأمن من لظاها، كلّ الذي أقدرتهم عليه أيديولوجيتهم، كلمات قليلة في ركن خفيّ من جريدة لا يقرؤها أحد، يدينون فيها “الخروقات الجسيمة” لحقوق الإنسان. يفهم المخلوع من صياغة البيان المقتضب وطريقة إخراجه أنّه مساومة على مكاسب قليلة، فيلقي إليهم ببعض بعضها، عند ذلك، يتغير بيان الرّفاق “الظلاميّة تهدّد مكاسب المرأة” “الخوانجية لا يعترفون بالتّنوّع وحقّ الإختلاف”. يتصفّح المخلوع البيان الجديد للرّفاق، ثمّ يمضي “مطمئنّا” إلى محرقته. فهل ذلك هو “النّمط المجتمعي” الذي يتحسّر عليه الرّفاق؟