تناقلت وسائل الإعلام صورا للرّئيس السّوري يزور بعض المناطق “المحرّرة” من وطن هو حاكمه والمؤتمن على استقلاله، تحت حماية القوّات الرّوسيّة. فمن من حكّام التّاريخ فعل مثل الذي فعل زعيم الممانعة بنفسه وبوطنه وبشعبه ؟ وآية ممانعته أنّه يتحرّك داخل وطنه سرّا ولوقت محدود وفي غفلة من الثّوّار، تحت حماية الغزاة. فمن يجرؤ اليوم على التّشكيك في استقلال سوريا؟
سأفترض جدلا أنّ الثورة السّوريّة كانت “مؤامرة” على نظام كان مشغولا بإعداد العدّة لتحرير الجولان. وسأفترض أنّ الزّعيم القومي كان محقّا في إبادة شعبه وسأفترض بأنّ الثوّار ونساءهم وأطفالهم إرهابيون وسأقبل بطرح الممانعين الكبار والصّغار أن الرّوس والفرس، ووحوشهم من مليشيات الموت ليسوا غزاة وإنّما هم أصدقاء يساعدون الزّعيم المؤتمن على تحرير الوطن من الإرهاب. وسأفترض أنّ بشّار كما يقول عنه القومجيون في تونس بأنّه “يخوض حربا ضدّ الإمبرياليّة” وانّه حاكم نسيج وحده وانّه فعلا انتصر، وحقّ له أن يرقص طربا على جثث القتلى وسط أكوام الخراب.
أليس من حقّنا أن نتساءل: ماذا سيحكم الآن؟ هل سيحكم المقابر والجثث؟ كم يلزمه من القرون لإرجاع الحجارة المهدّمة إلى ما كانت عليه قبل “المؤامرة” ؟ وهل اقترب بفضل سياسته “الحكيمة” وفكره القومي “الثّاقب” من تحرير الجولان وسائر الأراضي العربيّة المحتلّة؟ وبماذا سترثيه الأمّة عندما تفيض روحه إلى إلى بارئها ليسأله عن بغلة تعثّرت في الشّام، وليسأله عن إنسان واحد مات ظلما وغدرا تحت حكمه؟ لا شكّ عندي انّ كهنة الفكر القومجي سيظهرون في وسائل الإعلام وسيقولون عنه ما قد قيل يوم مات عبد النّاصر: “فقد الوطن والأمّة رجلا من أغلى الرّجال”. محنة الفكر القومي أنّه جعل الحكّام أغلى من الأوطان.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.