مقالات

الموصل في زمن التحرير: من القبضة الأمريكية – الداعشية إلى انتهاكات المليشيات الشيعية

لطفي الراجحي

تريد أمريكا أن تلعب على راحتها في العراق وسوريا والمنطقة واللعب الأمريكي بات مكشوفا للشعوب وعندما تلعب أمريكا فلها أدواتها من أحزاب وحكومات عميلة في المنطقة العربية، وأخرى حليفة لها وأدوات مصنعة في دوائر المخابرات والمتمثلة بمنظمات للتخريب ورجال سياسة باعوا أنفسهم وأوطانهم وشعوبهم من أجل المال والمنصب. الم ينتج اللعب الأمريكي العشرات من المنظمات الإرهابية في سوريا والعراق وغيرها كي تضرب بها الشعوب فتمزقهم وتشتتهم وتضعفهم ؟ ومن اللعب الأمريكي الادعاء بأنها تحارب هذا الإرهاب الذي نشرته فعمدت في المنطقة العربية إلى تشكيل حلف دولي لمحاربة داعش والشعوب تعرف من خلق داعش وأخوات داعش ومن يقدم لها الدعم ؟

من اللعب الأمريكي التي تظن أنها ستظلل به الشعبين السوري والعراقي لعبة مقاومة الارهاب. فالعراقيون كما السوريون باتوا يتندرون بقصة الإنزالات الجوية الامريكية على داعش في العراق وفي سوريا، وقد سمعنا كثيرا عن نوادر هذه الإنزالات في الفلوجة والانبار وكركوك ومناطق أخرى وآخرها في الموصل. تجري لعبة الإنزالات الجوية أحيانا سرّا وأخرى بشكل مفضوح أمام الإعلام للدعاية ولتحسين صورة الوحش الأمريكي ؟

إن الحديث المتداول عند الخبراء وشهود العيان يؤكدون إن الإنزالات الأمريكية السيئة الصيت هي عمليات إنقاذ لإرهابيين مهمين تعتمد عليهم أمريكا. وإنّ شرّ البلية ما يضحك فمتى كانت أمريكا عدوة للإرهاب بأي عنوان كان سواء في العراق أو سوريا أو المنطقة بشكل عام؟

لقد سمعنا مرات عديدة عن شهود عيان ومقاتلين في جبهات القتال يؤكدون إن طائرات أمريكية قامت بإجلاء إرهابيين، أو قامت بإنزال سلاح ومعدات حربية إلى الإرهابيين كما عملت بالتنسيق مع الدولة التركية والعدو الصهيوني على تقديم الإسعافات الميدانية لهم في الجولان السوري المحتل وقد ضبطت هذه المستشفيات الميدانية وعرضتها الفضائيات، لماذا هذا الضحك على الذقون؟

والكل رأى وسمع بأرتال نقل النفط السوري والعراقي الذي تنقله داعش في رتل طويل من صهاريج النفط بطول 11 كم تحت نظر وحماية أمريكا عبر الأراضي التركية ومن هناك يصدّر إلى أوروبا وإسرائيل وقد فضحت روسيا هذه اللعبة عندما دمرت هذا الرتل داخل الأراضي السورية فانكشفت اللعبة ولكن هل تستطيع أمريكا أو تركيا أن تتستر على ذلك ؟ على العكس زاد الصلف الأمريكي وصلف تركيا إذ قامت تركيا تحت نظر أمريكا بإسقاط إحدى الطائرات الروسية المقاتلة انتقاما منها، ليس لان روسيا تحارب الإرهاب في سوريا وإنما لان الدخول الروسي في الحرب السورية قلب المعادلات المختلفة وأجهز على الحلم التركي الكبير الذي يتجاوز لواء الاسكندون فضلا عن امكانية إسقاط الحلم الكردي في بعث كيان حدودي واليوم نشاهد ونسمع عن المواقف والتصريحات الأمريكية والتركية عن الإرهاب والإرهابيين في سوريا والعراق، وكيف تدعي أنها تصنف بعضهم في سوريا بأنهم معارضة مسلحة معتدلة، ومنهم الجيش الحر الذي تدعمه تركيا وقطر بقوة، إضافة لمنظمات إرهاب أخرى تدعمها السعودية ودول أخرى، إنه صراع مصالح ونفوذ لا أكثر، فجميع عناوين الإرهاب لخدمة أمريكا وإسرائيل. وخير دليل على ما نقول ما نشاهده اليوم من قلق أمريكي من انتصارات في العراق لأنه يضرب جميع منظمات الإرهاب بكل مسمياتها، وقلقها في سوريا عندما حاصر الجيش السوري وحلفاؤه الإرهابيين في حلب، وسعي أمريكا القوي لطلب الهدنة تمهيدا لفك الحصار على ادواتها هناك . هذا اللعب بات مفضوحا وبلا حياء.

و اليوم وبعد الاستعدادات لتحرير الموصل نسمع كيف أن أمريكا زادت من عدد قواتها في العراق، لا لحرب داعش بل لتنفيذ مشروع ما بعد داعش الم تكن تعارض بالإطلاق مشاركة قوات الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل وذلك بالاتفاق مع تركيا والسعودية وبعض الشخصيات السياسية العراقية؟ وأمريكا عندما تريد للموصل أن يتحرر لا تحتاج لحرب، بل مجرد الإيعاز الأمريكي إلى داعش بالخروج من الموصل يكفي، مع القيام بمسرحية شن هجوم عسكري على الموصل فيتم التحرير بسرعة مع تأمين خروج الإرهابيين بسلام تحت الحماية الأمريكية وتفتح لهم المعابر هم وعائلاتهم ومثل هذه المسرحيات لم تعد خافية على احد ولكن هذا هو اللعب الأمريكي، مثل ما سُلّمت الموصل إلى داعش ستسلم داعش الموصل أيضا للحشد الشعبي، لكن بإيعاز أمريكي فقط، ولهذا ثمن تدفعه الموصل و أهلها ثم العراق وشعبه وهو تحويل حضارته الضاربة الى رماد فضلا عن مشروع التقسيم.

فأمريكا وحلفاءها من الدول وبعض السياسين العراقيين المرتبطين بها يسعون لتقسيم العراق بعد تحرير الموصل وأعلنوا عن مشروع تقسيم العراق والموصل تحديدا وقد صرّح بذلك (اشتون كارتر) وزير الدفاع الأمريكي ومدير المخابرات الأمريكية (برينان) الذي تحدّث عن التقسيم صراحة وتكلم سياسيون عراقيون عن هذا المشروع أيضا إذ عدوه إنجازا كبيرا يخدم العراق وأهالي الموصل بشكل خاص، ويأتي تنفيذ المشروع خدمة للمصالح الأمريكية الإسرائيلية ومن صفحات المشروع الأمريكي في الموصل ما بعد داعش، إعلان سهل نينوى منطقة آمنة للأقليات الدينية، وهذا الإعلان وجه من وجوه اللعبة الأمريكية في الموصل لما بعد حقبة داعش، إذ ستوجه اليه الأوامر من قبل السيد الأمريكي بالانسحاب ولكن بطريقة تسجيل انتصار للقوات الأمريكية.

أن معركة الموصل ستكون سهلة بالنسبة لأمريكا إن جرت حسب الخطة الأمريكية، فهي مجرد تسليم وتسلم بين أمريكا وداعش والحشد وقد بدأت علامات هذا الحراك من خلال تهريب قيادات داعش المهمة مقابل فتح الطريق لتقدم قوات الحشد وقد تقدّم الإدارة الأمريكية رأس البغدادي قربانا للنصر كدعاية انتخابية، مثل ما حصل مع أسامة بن لادن عميلها السعودي في أفغانستان، هذا النصر الذي تطمح الحكومة الأمريكية تحقيقه قبل الانتخابات، سيدفع العراق ثمنه غاليا إن رضخت الحكومة العراقية للإرادة الأمريكية التي تعمل على اللعب في العراق.

انهزم داعش أو هو سائر في طريق الاندحار وأراد قبل هزيمته أن يترك على جدار الموصل علامة وحشيته وبدأ سواد تنظيم الدولة الإسلامية ينقشع عن سماء الموصل لكن ذلك لا يعني لأهالي المدينة عودة الحياة إلى مدينتهم. فالنظر إلى المدن العراقية المجاورة يشي بأن ربيع الموصل لن يزهر قريبا ما دامت السياسة الطائفية تعد سمة الحكومة وقيادتها وهي بسياستها الرعناء كانت السبب في ظهور داعش وسقوط المدن بيد الإرهاب. إن طائفية العراقية قد استعادت الموصل من داعش لتبث فيها سمومها وتسحق ما بقي فيها تحت أقدام الميليشيات الشيعية الإيرانية. يختلف العرب السنة في الرأي حول إمكانية أن يكون لهم حقاً مستقبل مشترك مع سائر الأهالي في المدينة الواحدة والوطن الواحد، سيما أن العراق يعيش حالة من التحلل العضوي الرهيب لكن الوقائع تثبت عكس ذلك. لقد أدت سطوة تنظيم الدولة الإسلامية منذ 2014 تاريخ سقوط الموصل إلى تفاقم الاختلافات وبروز منطق الانتقام وكل نزعات الأخذ بالثأر التي كانت كامنة في النفوس. وفي الوقت الذي تفقد فيه الجماعة الجهادية كل معاقلها ستكون هذه الديناميات أكثر وحشية سواء بين الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة والقبائل والعشائر وكذلك المدنيين الباحثين عن الثأر والعدالة. ويمتد هذا الوضع إلى قلب العائلات التي انضم بعض أعضائها إلى صفوف الجماعة الجهادية. ولا بد من تسليط الضوء على حالة التشتت هذه فهي تطرح أسئلة حيوية. نجح العراقيون في دحر داعش ولكن مرحلة ما بعد داعش تبدو ضبابية وخاصة مرحلة ما بعد تحرير الموصل العراقية مما يولد حزمة من القنابل الموقوتة تنفجر بالأساس في وجه أبناء المدينة ذات الأغلبية السنية والنتائج كارثية وسط توقعات بأزمة إنسانية ضخمة وعمليات تهجير قسري قادمة، ومنع أو عرقلة عودة أبناء السنة لمدينتهم، وتنامي خطر التقسيم، في ظل مطامع كردية وشيعية، وحرب مذهبية مستمرة مع إصرار الميلشيات الشيعية على السيطرة على المدن السنية واضطهاد أهلها، فقمع السنة المتنامي وتشديد القبضة الإيرانية بعد معارك الفلوجة ثم الموصل يفجر احتقانات جديدة. ولكن الأهم هل قرب انتهاء أسطورة داعش التي تتراجع الآن في أهم معاقلها بدابق والموصل ينهي ذرائع الاحتلال الأمريكي أم ستتصاعد مجددا في بؤر جديدة بأشكال ومناطق جديدة كفزاعة لتدمير المدن السنية؟ وهل ستكون معركة الموصل نقطة تحوّل كبيرة في الحرب ضد الإرهاب؟ ليس لأنها ستطرد التنظيم من العراق فقط بل لأنها ستدفعه لتركيز مقاتليه في منطقة واحدة بشمال شرق سوريا للمعركة الأخيرة في الرقة؟

معركة استعادة الموصل من داعش هلل له البعض عندما راى فيه نصرا على فلول الارهاب لكنه أمر ينذر بالفوضى لان خطط معركة الموصل جاهزة ولكن مزيج القوات غير المتجانس وتعاظم دور الحشد فيها قد يؤدي إلى تأخير القتال الى حين أو يشعل صراعات أخرى منفصلة، والقضايا الشائكة لا تزال قائمة ومن بينها دور المليشيات الشيعية ومسألة من يسيطر على الموصل بعد استعادتها.

والخطر الاكبر يكمن في انتهاكات محتملة ضد سكان الموصل السُنة من جانب القوات المهاجِمة، لانهم متهمون بكونهم هم من استقبل تنظيم الدولة منتصف 2014 في أعقاب شعورهم بالتمييز من جانب الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد وجراء معاناتهم من سوء المعاملة من القوات الأمنية التابعة لهذه الحكومة.

إن المصالح الأمريكية التي تقوم على إطالة أمد الصراع في المنطقة واستنزاف الخصوم، وتطويعهم، تقتضي عدم القضاء نهائياً على تنظيم داعش الإرهابي والنظر بعين الرضا لسلوك الحشد، ومحاولة الإفادة منه وتوظيفه لخدمة الأهداف الأمريكية المبنية على عدم ضرب قوات داعش والحشد في شمال وشرق الموصل، لتوفير مخارج آمنة لقوات التنظيم الإرهابي وتثبيت اقدام الحشد مما يسمح له بإعادة انتشار في الشمال العراقي، ومواصلة الإفادة من داعش المرحل تكتيكيا لإنهاك حكومات هذين البلدين سياسيا وعسكريا وتدمير مقدراتهما وقتل الإنسان والتاريخ والفن والحضارة حتى يحقق المشروع الامريكي ما جاء لاجله منذ سنة 2003.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock