الأربعاء 25 يونيو 2025

حوار افتراضي مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مسألة التوافق

الحبيب حمام
عبد الله بن أبي بن سلول هو زعيم النظام القديم (قبل الهجرة)، كان قبل الهجرة يطمع أن يكون سيد المدينة، فجاءت الهجرة فأحدثت ثورة في المدينة، فتغيرت كل المعادلة، وسقط مشروع عبد الله بن أبي بن سلول.
ـ المحاور: يا رسول الله، بنو قينقاع مفسدون في الأرض، أنت مؤيد بالوحي، وأفاض الله عليك أنهارا من الحكمة، وتعلم أنهم مفسدون، هتكوا عرض صحابية، كشفوها في السوق، ضحكوا عليها، ثم عندما انتصر لعرضها أحد صحابتك الكرام، اجتمعوا عليه وقتلوه. أسرتهم جميعا، ثم أتاك ابن سلول فقال: “يا محمد، أحسن في موالي”، فأعرضت عنه. فأدخل يده في جيب درعك، يا رسول الله، فغضبت حتى رأى الصحابة لوجهك ظللا، ثم قلت: “ويحك أرسلني”، فقال: “لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربع مئة حاسر وثلاث مئة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، إني والله امرؤ أخشى الدوائر”. فقلت “هم لك”. هذا أشد من التوافق، تعلم أنه منافق من النظام القديم، وتعلم أنهم مفسدون، فكيف تدفع بالمفدسين إلى كبير المنافقين وزعيم النظام القديم؟ بعدما هتكوا عرض صحابية وقتلوا صحابيا؟ هذا أشد خطرا من التوافق.
وكأنّ رسول الله يجيب: ليست مسألة اختيار، موازين القوى يفرض ذلك، هو ماسك ببعض مفاصل المدينة، وله سند قوي من اليهود ومن الخزرج، تحت امرأته 300 مقاتل، الواقع يفرض ذلك، ليس من الحكمة إشعال حرب معه والثورة، أي الهجرة، مازالت فتيّة ولم يقو عودها.
ـ يا رسول الله، كيف تسمح لكبير المنافقين وزعيم النظام القديم أن يشارك معك في غزوة أحد، هذا ليس توافقا، بل أكبر، هو تحالف، وليس تحالفا سياسيا، بل تحالف عسكري مع النظام القديم. الجيش قوامه 1000 مقاتل، منهم لواء من النظام القديم قوامه 300 مقاتل، تحت إمرة كبير المنافقين وزعيم النظام القديم، كيف يقع هذا؟ ثلث الجيش من النظام القديم؟ ثم يخونك يا رسول الله، عندما التقى الجيشان، وينسحب بلوائه، محدثا ارتباكا كبيرا، كيف تغفر له هذه؟
وكأنّ رسول الله يجيب: ليست مسألة اختيار، موازين القوى يفرض ذلك، واقعة أحد كانت مناسبة لكشف قوته. تحت امرأته 300 مقاتل، مع تحالفات إقليمية ودولية، الواقع يفرض التعامل معه بحذر.
ـ يا رسول الله، كيف تسمح لكبير المنافقين وزعيم النظام القديم أن يلوك عرضك يا رسول الله شهرا كاملا، وقد نزل فيه قرآن يكشفه: “والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم”؟ كبير المنافقين وزعيم النظام القديم يمسك بالإعلام، وقام بحملة تشويه واسعة ضدك وضد خير صحابتك. هذا أشد خطرا من التوافق.
وكأنّ رسول الله يجيب بلسان فعله: هذه الأزمة اثبتت قدرته الإعلامية. له شبكة ممتدة وأساليب ذكية وخبيثة أقنعت 3 من أصحابي بما فيهم شاعري، حسان بن ثابت. ولكن لم أنتم منزعجون، ففي الحادثة خير للأمة إذ يقول رب العزة “لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم”. على الأمة أن تقبل بالامتحان وتحرص على النجاح فيه بحسن الظن في رموزها وبالتالي في نفسها “لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا”.
ـ يا رسول الله، لِمَ لم تقم عليه الحد وقد شهد رب العزة من فوق سبع سماوات على جرمه قائلا “والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم”؟ هذا أشد خطرا من التوافق.
وكأنّ رسول الله يجيب بلسان فعله: قول ربي يكفيني ويكفي أصحابي، ولكن لمقاضاته احتاج إلى أدلة أرضية، لا سماوية، مقنعة لشعب المدينة ولجهازه القضائي خصوصا.
ـ يا رسول الله، الشاهد رب العزة.
وكأنّ رسول الله يجيب بلسان فعله: وكفى به شهيدا، ولكنه علمنا في آيات الإفك نفسها أنه لإقامة الحد نحتاج إلى شهداء من الإنس. وليس هناك شاهد واحد يشهد بتورّطه في القذف بصريح اللفظ. كان يُلمّح، ويبث سمومه ليصرّح غيره، وسقط في الفخ ثلاثة.
ـ يا رسول الله، لقد آذاك وآذى أصحابك أذاءً شديدا فقال “سمن كلبك يأكلك”. هذا أشد خطرا من التوافق.
وكأنّ رسول الله يجيب بلسان فعله: هذا كلام للاستهلاك وللسخرية، لا يضر، وعلينا أن نتمثل قوله تعالى “إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ”. غضوا الطرف وتجاوزوا لهدف أسمى كما يقول تعالى “فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”، “فاعفوا واصفحوا واغفروا”.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

المشهد حاليا عبثي وينتظر أن يكون أكثر عبثيا في المستقبل

الحبيب حمام تونس تسير بالسرعة القصوى نحو المجهول. قد يقول قائل “لمَ تقول هذا؟ أنت …

قسيس منكود الحظ

الحبيب حمام اجتمع أهل القرية حول حدث طريف، فاستغل القسيس هذه المناسبة الإعلامية، فصعد على …

اترك تعليق