الأربعاء 18 يونيو 2025
إمحمد ضيف الله
إمحمد ضيف الله

صائم سابق في الخمس الأواخر من رمضان…

إمحمد ضيف الله
ظل الكرسي البنّي اللون شاغرا خلال الأيام الخمس الأخيرة من شهر رمضان فقد كنت أشغله على طاولة الإفطار الرمضاني التي تجمعني بعائلتي لسنوات طويلة ولكن المرض والأوجاع الحادة أخذتني منه ومن الحلقة اليومية الجميلة حول الإفطار فوجدت نفسي على سرير المستشفى مع مرضى آخرين ألزمتهم الحالة الصحية بالتواجد معي بدون سابق معرفة او مواعيد وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي ارقد فيها على سرير المرض بالمستشفى او المصحة لكن هذه المرة كانت مختلفة ومؤلمة نفسيا بكل المقاييس حيث لم يسبق لي وأنا الرجل المسلم الذي يصوم رمضان منذ 40 عاما ان وجدتني بتعليمات صارمة من الأطباء المباشرين لحالتي متوقفا عن الصوم ومفطرا بالنهار مع توصية بعدم الصوم وأداء الفريضة في سنوات قادمة ان كان للعمر بقية.
كانت صعبة للغاية وليس مايقال كما يعاش أن يصوم الآخرون وتفطر أنت بل إن الطعام المقدم خلال اليوم برغم تنوعه كان طعمه مرا ولم يرق لي إطلاقا برغم أني كنت مجبرا على تناوله طوال تلكم الأيام الخمس.
في لحظات أذان المغرب أتعمد فتح النافذة نافذة الغرفة التي ارقد فيها وهي تفتح على حديقة تؤدي إلى الباب الرئيسي للخروج والدخول يخيم صمت مطبق وهدوء على المكان لحظة الأذان فالأعوان والممرضات يستأذنون للذهاب إلى طاولة الإفطار في غرفتهم المغلقة أما الشارع الذي يصلنا صدى ضجيجه خلال النهار فيخلو تماما من الحركة لان الجميع تحلّق حول وجبة المغرب في بيوتهم او في بيوت الله.
تمر تلك اللحظات ثقيلة جدا ويشعر الإنسان وكأنه داخل زنزانة انفرادية بأحد السجون ويذهب الخيال بعيدا حيث ذلك الكرسي البني اللون الشاغر والأسرة التي بصدد تناول الإفطار بدوني وفي حضرة الغياب القسري الذي لم اعتده ولم يألفوه توشك الدمعة أن تنزل بل هي تنزل أحيانا وانأ خلف النافذة كل يوم بل كل مغرب… تكلمت بصوت مسموع دون شعور مني فقلتها وبعفوية… “صحة ليهم” فجاءني السؤال من الخلف “شكون” صحة ليهم “انه مراد الشاب الثلاثيني في الغرفة المجاورة الذي فاجأته الآلام في رمضان في صدره فأظهرت التحاليل والفحوصات انه يعاتي من اضطراب بدقات القلب وحكم عليه بالبقاء في المستشفى والتوقف عن الصوم لقد دخل الغرفة ولم اشعر به قلت له : الصائمون اقصد فقال: أرجوك يا صديقي لا تزيدني وجعا فانا أريد أن انسي الأمر كله ثم انسكبت دموعه وخرج.
خلال اليوم بل الأيام الخمس كنت استمع الى مفردات رمضان التونسية من قبيل “شاهية طيبة” يقولها الأعوان لبعضهم عند المغادرة وإنهاء حصة العمل او الزوار للأعوان وأخرى من نوع “صحة شريبتكم” أو تقبل الله صومكم.
في غرفتي ارقد منفردا فافتح الراديو من هاتفي الجوال لأسمع المذيع يقول: صوما مقبولا وإفطارا شهيا فأغلق الراديو، كلمات ومصطلحات لم اعد ارغب في سماعها لأنها تذكرني باني لست صائما وتزيد من ألمي ووجعي النفسي.
كانت الخمس الأواخر من رمضان هذا العام بطعم الألم والمرض الموجب للإفطار إنها تجربة لا يفقه سرها سوى من مر بها او عاشها… اسأل الله أن لا يعيشها حبيب او صديق.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

إمحمد ضيف الله

دولة عاجزة عن إنتاج الثروة رائدة في إنتاج القوانين

إمحمد ضيف الله في غفلة من الجميع بدأ سريان مفعول القانون عدد 58 لسنة 2017 …

إمحمد ضيف الله

طابع سكر واحد بدل إثنين

إمحمد ضيف الله في منتصف الثمانينات قررت الدول المنتجة للسكر تأسيس منتدى شبيه بمنتدى الدول …

اترك تعليق