جبهة الإنقاذ في مهبّ الريح
أعلن مؤخرا عن تجميد أموال سليم الرياحي مؤسس الحزب الوطني الحر، وأحد مؤسسي جبهة الإنقاذ التي تشكلت مطلع العام الحالي. وكان محسن مرزوق الطرف الآخر في جبهة ما سمي بالإنقاذ قد أعلن انسلاخه من الجبهة. فهل كان على علم مسبق بمآل سليم الرياحي، وأنّ رياح الحرب على الفساد ستعصف بالرجل وبامواله فقرر النجاة بجلده قبل أن تنال منه شظايا الحرب على الفساد؟
يذكر أن جبهة الإنقاذ تشكلت من حزب سليم الرياحي صاحب الأموال الطائلة والذي لاحقته شبهة الفساد وتبييض الأموال منذ حكم الترويكا، وحزب مشروع تونس لمالكه محسن مرزوق المعروف بتقلباته، وكلما ضاقت عليه جبهة فتح أخرى، إلى جانب هذين الحزبين انضمت إلى جبهة الإنقاذ أحزاب أخرى غير وازنة في الحياة السياسية. وقد أعلنت الجبهة في بيانها الأوّل أنها قامت ضد حركة النهضة، وقد اعتبر ذلك في حينه حدثا سياسيا غير مسبوق، إذ من عادة الأحزاب السياسية أن تتشكل على قاعدة البرامج وليس على أساس نفي الآخر. لقد كان ميلاد الجبهة بمثابة توتير الأجواء في البلاد وإفراغ الحياة السياسية من مضامينها الأخلاقية. لقد كان التقاء محسن مرزوق وسليم الرياحي في جبهة الإنقاذ بمثابة زواج المتعة الذي لم يكتب له ان يعمّر طويلا ولا حتى أن يدك المحطة الإنتخابية القادمة (الإنتخابات البلدية).
لا شكّ أن سليم الرياحي كان متخوّفا من التّهم التي لاحقته مبكّرا فوجد في البداية في رئاسة فريق عريق وصاحب الشعبية الأولى في تونس (النادي الإفريقي) إطارا مناسبة للإختباء ولحماية أمواله والإستفادة من جماهره العريضة للوصول إلى السلطة، إما عن طريق التشريعية أو الرئاسية، بما يعني أن الرجل كان في سباق محموم مع الزمن لحماية أمواله من الملاحقة والمتابعة. ولمّا لم يفلح في مسعاه للوصول إلى السلطة وجد في محسن مرزوق ضالّته المنشودة. محسن مرزوق هو الآخر يشكو من حظه العاثر حيث إنه لم يحظ بعد فوز نداء تونس في التشريعية والرّئاسية بالمكانة السياسية التي يمكن أن ترضي طموحه وغروره اللذين لا حدّ لهما.
يذكر أن “صاحب المشروع” كان أحد الوجوه البارزة التي قادت الثورة المضادة ضد حكومة الترويكا الأولى والثانية، إعلاميا وساسيا: إعلاميا كان له حضور مكثف في وسائل الإعلام التي قررت بدافع من الجبن والطمع أن تقف إلى جانب الثورة المضادة، وأما سياسيا فلعب دورا بارزا في التقريب بين النظام النوفمبري ويساره (اليسار الراديكالي) في إطار ما سمي بجبهة الإنقاذ الأولى التي عبرت عن نفسها فيما يعرف عند التونسيين باعتصام “الروز بالفاكية” والتي كانت استنتساخا للتجربة الإنقلابية في مصر. لقد وجد سليم الرياحي في محسن مرزوق المزروب على السلطة حصانا جديدا يراهن عليه دائما بنفس الهواجس التي تطارده (الخوف على مصيره ومصير أمواله)، كما وجد محسن مرزوق في سليم الرياحي الكنز الذي يحتاجه في الإستحقاقات الإنتخابية القادمة.
لقد علق كل منهما بالآخر وكل منهما له أهدافه من الجبهة، صاحب الثروة يبحث عن ملاذ آمن لثروته والمزروب على السلطة يبحث عن المال لتمويل حملاته الإنتخابية القادمة.
فهل بالإنسلاخ المبكّر لمحسن مرزوق من الجبهة استشعارا لمآل سليم الرياحي وبتجميد أموال الأخير يمكن القول بانّ جبهة الإنقاذ أصبحت من الماضي؟