أيّ مستقبل لأمة يطارد حكامها الفكر والوعي ؟
تضمنت لائحة الطلبات التي حملها الوسيط الكويتي إلى الجانب القطري من حلف “آل سعود” و”آل زايد” و”آل خليفة” ورابعهم أضحى شعاره “نأكل مما نمسح” ولم يعد يمانع حتى في بيع أجزاء من الوطن لإنقاذ رأسه. تضمنت المطالبة بغلق قنوات شبكة الجزيرة الإعلامية. لئن كان قرار الحصار مفاجئا، فإن طلب غلق قناة الجزيرة لم يكن كذلك حيث كانت له إرهاصاته. لقد عبرت دول حلف الحصار كغيرها من الدول العربية المحكومة بأنظمة استبدادية مبكّرا عن عدم رضاها مما تقدمه القناة بسبب إنخراطها منذ انطلاقتها في منظومة الإعلام الحر وتبني منظومة ثقافة الحقوق الكونية.
هذا النهج لم يكن ليرضي جوارا عربيا يعادي الحقوق والحريات ويرفض الإصلاح والتحديث السياسي والإجتماعي على قاعدة المواطنة، ويصرّ على التعامل مع الشعوب العربية كقطعان منزوعة الإرادة والكرامة يقرر مصيرها حكام يستمدون شرعيتهم من كهنوت ديني واستبداد سياسي، يأخذ الناس بمجرد الشبهة، وإعلام يدور مع السلطان حيث دار. مما يعني أنّ حملة حلف الحصار على شبكة الجزيرة زيادة على كونها تعتبر استفزازا وتدخلا في شان داخلي لدولة ذات سيادة (وهو نفس المنطق الذي استند إليه حلف الحصار في طلبه المتمثل في غلق قناة الجزيرة).
فإنها تستهدف في حقيقة الأمر عقل المواطن العربي ووعيه خاصة في الدول المكونة لحلف الحصار التي تريد إبقاء شعوبها منزوعة الإرادة يقتصر دورها على مباركة كلّ قرارات “ولي الأمر” حتى وإن خان وباع الأوطان حتى وإن صلى وهو سكران على رأي الرائع المرحوم أحمد مطر.
لم يغفر حلف الحصار لقناة الجزيرة فتح منابرها الإعلامية لمعارضي أنظمة الإستبداد وانحيازها للشعوب بدل الإنحياز لأنظمة فاقدة لأهلية الحكم، وانحيازها للقضايا الإنسانية والإسلامية العادلة مثل القضية الفلسطينية. وهم يحملونها مسؤولية مباشرة في اندلاع الثورات العربية التي حظيت لاحقا بتغطية شاملة وموضوعية من قناة الجزيرة. كما لم يغفروا لدولة قطر مساندتها الفعلية لدول الربيع العربي. فجاء طلب الغلق يكشف بوضوح عن ثورة مضادة تنتهج سياسة عقابية تجاه كل رموز الوعي والثورة، بما في ذلك الإعلام الحر في الوطن العربي إذعادنا لإملاءات “ترامب” والكيان الصهيوني المنزعجين أصلا من تغطية الجزيرة لجرائم الإحتلال الأمريكي في العراق وتغطية الحربين الأخيرتين على غزة، لذا فإنّ مطلب الغلق يخدم مصالح الرجعية العربية والقوى الإستعمارية.
أما القول بأنّ قناة الجزيرة تدخلت فيما يعتبر شأنا داخليا لدول حلف الحصار، فإن ذلك محض بهتان وإفك مبين. فهل يستطيع الحلف المطالبة بغلق وسائل إعلام أمريكية وأخرى غربية تنتقد بشدة سياسة دوله وسجلها الأسود في مجال الحقوق والحريات وآخرها “سجن بو غريب” في اليمن بإدارة آل زايد ؟