ثرثرة “الإسلام التونسي السمح”
الأمين البوعزيزي
بدعوة من صديق عزيز حضرت بمدينة سيدي بوزيد مسامرة أشرف عليها السيد وزير الشؤون الدينية بالمركب الثقافي والشبابي. تطرق المتدخلون إلى الخطاب الديني المسجدي ومسألة التطرف والإرهاب من جهة والرقابة البوليسية على الأيمة من جهة ثانية… تدخلات كثيرة ركزت على ربط التطرف الديني بمسألة التهميش الإجتماعي والغبن التنموي… غضب كبير على ما تضخه فضائيات المافيا من برامج تسليع وتمييع للمعنى… حضور كبير لأيمّة المساجد وأغلب التدخلات كانت من نصيبهم…
النقاش كان صريحا بلا حدود؛ عكَس ما يجري في البلد من تحولات كسرت حاجز الخوف من السلطة؛ بل العكس هو ما يحدث.
طلبت التدخل فكان لي ذلك مع ترحيب أخجلني:
أنا لست إماما لكني مثقف معنيٌّ بالشأن الديني باعتباره مكونا رئيسا في ثقافة شعبي وردّات فعله عما يدور حوله.
شكّلت ظاهرة تقاطر الشباب التونسي على التنظيمات الإرهابية المنتسبة إلى الإسلام مشغل كل المجتمع السياسي والثقافي وانخرط الكثيرون في خطاب “الإسلام التونسي السمح الوسطي” في مواجهة “الإسلام المتطرف”…
لا أعتقد أن بمثل هكذا تسطيح ساذج سنتمكن من شد انتباه الشبيبة المتقاطرة على التنظيمات والخطابات العنفية…
السيطرة على المساجد بأيمة التجمع البائسين هو العامل الرئيس في النفور من الخطاب المسجدي في تونس؛
هؤلاء موظفون لا فرق بينهم وحراس لجان تنسيق التجمع…
التنظيمات التكفيرية مسلحة بدعاة قادرون على اجتذاب شبيبة مقهورة تبحث عن أدوار كبيرة تملأ كيانها.
وهذا يتطلب خطابا مسجديا مضادا قادر على الإشتباك العقائدي مع هؤلاء…
إن خطابا خشبيا يردد ثرثرة “الإسلام التونسي السمح” لن يكون قادرا على إقناع الشبيبة ولا على منعهم من الإلتحاق بالقتلة ودعاة الإجرام والجهل المقدس…
الشبيبة محتاجة لخطاب مسجدي يقدم لها الإسلام باعتباره دين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ودين المقاومة إذ لا إله إلا الله… دين مقاومة الإستبداد باعتباره تألها في الأرض أي باعتباره شركا بالله والله يغفر كل شيء إلا الإستبداد بالعباد وذاك هو معنى الشرك بالله.
أنا أستغرب كيف تكون بلاد المسلمين هي الأكثر إستبدادا والحال أن دينهم جوهره مقاومة الإستبداد / الشرك بالله.
أزمة الخطاب المسجدي أنه واقع ضمن قراءة أرسطية للإسلام تعتبر مستقبل المسلمين في ماضيهم… نحن محتاجون إلى خطاب يدعو المؤمنين إلى التقدم نحو الإسلام لا إلى النكوص إلى نصوص السلف… هؤلاء ليسوا حجة على الإسلام وإنما الإسلام حجة عليهم… الإسلام مشروع تحرير مفتوح إنتصارا للإنسان السيد على تقرير مصيره إذ لا إله إلا الله بيانا للتحرر من الكهنوت والإستبداد بإسم الله.
نحتاج إلى معهد جامعي لتخريج أيمة علماء… يتلقون دروسا متعددة الاختصاصات تمكنهم من تمثل تحرري لعقيدة الإسلام باعتباره دين بناء وتحرير لا تبرير وتدمير…
بهكذا خطاب فقط نتمكن من شد شبيبتنا نحو دين يشدهم إلى دنيا يعيشونها بكرامة وعزة في مواجهة الظلم والاذلال؛ عوضا عن الوقوع في قبضة القتلة والمجرمين الذين يوهمونهم كونهم يجاهدون في سبيل الله…
الإسلام يربي الناس أن يكونوا مواطنين مقاومين لا أن يكونوا قتلة مجرمين؛ أو أذلاء خانعين..
——— قوبل تدخلي بالرضى؛ رغم القسوة على الأيمة صفق الجميع وطلب مني الوزير والطاقم المصاحب له التنسيق لإنجاز شيء مشترك تفاعلا مع المضامين الواردة في تدخلي.