ما وراء وراء “الأزمة الخليجية”
محمد بن نصر
حقيقتان يجب دائما استحضارهما لفهم الإستراتيجية الغربية في الشرق الأوسط.
الحقيقة الأولى: السعي الدائم لإبقاء الوطن العربي والعالم الإسلامي في حالة عطالة مستدامة بتغذية مستمرة للحريق حتى يظل على الدوام مشتعلا. وذلك في نظرهم نتيجة طبيعية لقانون الصراع والبقاء للأقوى بالمحافظة على شروط الإستقواء. قد تفرض عليهم مصالحهم لفترة من الفترات التهادن مع بلد من البلدان بشرط أن يظل في مربع الاستهلاك ولا تحدثه نفسه بدخول نادي المنتجين.
الحقيقة الثانية: الأولوية القصوى لأمن الكيان الصهيوني. هذا الكيان الذي ظل كيانا مغتصبا وكل محاولاته وسعيه المتراكم للاستيطان الدائم، أسوة بالغزاة البيض في القارة الأمريكية والأسترالية، أسقطتها المقاومة الفلسطينية وعليه ستبقى تصفية المقاومة مسألة محورية في الإستراتيجية الغربية عامة والأمريكية خاصة.
في هذا الإطار يجب أن تفهم الأحداث الجارية وما جرى قبلها وما سيجري بعدها مع الملاحظة أن نجاح هذه الإستراتيجية مرتهن بوجود نخبة محلية تعمل على تسويقها وأنظمة حكم تسير وفق مقتضياتها.
وفي هذا الإطار يجب أن نفهم أن داعش لم تصنع على عجل ولم تصنع لمهمة طارئة وإنما كانت فصلا كارثيا وضروريا في هذه الإستراتيجية سيقع التمديد في صلاحياتها لفترة طويلة.
في هذا الإطار يجب أن نفهم أيضا أن الالتقاء المصلحي الإيراني الأمريكي سيستمر ولكن دون السماح لإيران بالتحول إلى قوة إقليمية نافذة.
بالنتيجة الأنموذج العراقي سيُعمل على إعادة تفعليه في الكويت والسعودية والبحرين على مراحل. استهداف للسنةّ، زرع البذرة الخبيثة داعش، ثم يأتي الحشد الشيعي لإنقاذ البلاد والعباد” وتسليمها ركاما من المأسي إلى نخبة جاهزة لتنفيذ التعليمات.
أما قطر فإنها تُعاقب اليوم لأمور ثلاثة: مساندتها للمقاومة الفلسطينية، دعمها للثورات العربية المُجهضة، قناة الجزيرة. لم يعد مقبولا، أمريكيا على الأقل، بهذا المنبر الإعلامي النشاز. الفصول الأخيرة من خطة إعادة ترتيب الوضع العربي وفق الأجندة الأمريكية يجب أن تتم في نظرهم تحت أضواء إعلام التهليل وليس إعلام الاستقصاء. وحتى لو استجابت قطر للضغوطات التي تُمارس عليها فإنها لن تستطيع الإفلات هي وغيرها ممن يعادونها اليوم من استراتيجية المربع الأول.
ذلك ما يتم تخطيطه على الورق، تنفيذه يحتاج إلى عدد من الشروط، متوفر للأسف معظمها. ولكن هناك حقيقة ثالثة وهي أن الغرب قد تعب من معادلة “التمدن مع الأنا والتوحش مع الآخر”. بدأت شعوبه غير مرتاحة لكون سعادتها مرتهنة بشقاء الشعوب الأخرى. سيكون لهذا الوعي أثرا في الإستراتيجية الغربية إذا صاحبها وعي شعوبنا بضرورة إفساد هذه الإستراتيجية بالتعبير عن رفضها لها و ومواجهتها بكل الأشكال النضالية الشعبية السلمية وهي في نظري أقل كلفة وأكثرا فعالية من الأشكال الأخرى بحكم عدم توازن القوى.