“مدن الملح” تفتري على علماء الأمة
لم تكتف “مدن الملح” بقيادة آل سعود وآل زايد بقطع العلاقة مع شقيقتهم “قطر”، ولم يكتفوا بتدبير انقلاب السيسي في مصر من قبل، كما لم يكتفوا بتدبير انقلاب فاشل في تركيا، ولم يكتفوا بتبرير حربين وحشيتين على غزة، ولم يكتفوا بالتحريض على استمرار حصارها في رمضان المعظم، وفي الأشهر الحرم، ولم يكتفوا باستهداف ربيع العرب وإسناد الثورة المضادة والدفع بها إلى أقصى درجات التوحش بقيادة مجرم ليبيا خليفة حفتر، والتآمر على المسار الإنتقالي في تونس. “مدن الملح” لم تشبع من المؤامرات الدنيىئة على أمة العرب والإسلام ولم ترتو غرائزهم الحيوانية من سفك دماء المسلمين النازفة بأموال نفط ارتد عليهم لعنات وأفقدهم رشدهم. “مدن الملح” أشرب “أئمتها” في قلوبهم حب الدسائس للأهل والعشيرة، لقد عادوا أدراجهم إلى جاهلية بغيضة حذر منها رسول الإسلام عندما قال: “لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض”.
“مدن الملح” أطلقت العنان لغراىزها لا يضبطها قيد من إسلام يدعون الإنتساب إليه ولا قيد من إنسانية هم أكثر البشر تيها عنها كما تاهوا عن بداوتهم. يريدون مزيدا من التقسيم لما هو مقسم والأخطر من ذلك كله أنهم يريدون ضرب الأمة في وعيها وفي رموزها العلمية والثقافية، من خلال وصم العلامة يوسف القرضاوي بالإرهاب. يمكن للكثيرين أن يختلفوا مع الشيخ ولكن وضعه على لوائح الإرهاب فذلك محض كذب وافتراء ممن يدعون الإنتساب للإسلام وممن لا تعنيهم إلا “كروشهم وعروشهم”. الشيخ التسعيني صاحب المئة كتاب أو يزيد في مختلف فنون المعرفة الدينية والإنسانية، وبعد مسيرة حافلة بالعطاء العلمي تضعه “بلاطات الدسائس” على لوائح الإرهاب إرضاءا لمن اغتصبوا الأرض والثروة.
لقد كان الشيخ أول عالم مسلم ينبه إلى خطورة التطرف في صفوف الشباب المسلم فكتب “ظاهرة الغلو في التكفير” وكتب “الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف”، ونادى في أوساط المسلمين بضرورة التزام الإعتدال والوسطية فكتب “الوسطية ومعالمها”. ومما يحسب للشيخ في هذا المجال أنه شد الرحال إلى إفغانستان في محاولة منه لثني متطرفين من طالبان عن استهداف تماثيل مقدسة لدى أتباع الديانة البوذية، فهل من دافع عن عقائد غير المسلمين يمكن أن يكون متطرفا ؟ ويذكر أن هذا الموقف من الشيخ سبب له انتقادات واسعة وصلت حد تكفيره من داخل الساحة الإسلامية خاصة من جانب أصحاب الفكر المتشدد الذي كان العلامة يوسف القرضاوي قد حذر من مخاطره على المجتمعات الإسلامية في مطلع الثمانينات. كما كتب في وقت مبكر من حياته عن حقوق الأقليات غير المسلمة في المجتمعات الإسلامية، “الأقليات الدينية”. وفضل الشيخ لا ينكر في التصدي للغزو الثقافي المحموم الذي استهدف الأمة مع جحافل الغزاة و أعوانهم من المستشرقين ومن المستغربين فألف في الغرض “تاريخنا المفترى عليه”، وكتب “الإسلام والحلول المستوردة” وكتب “الإسلام حضارة الغد”. إنه من نكد الدهر أن يجتمع صنائع الإستعمار أباطرة الإرهاب ومهندسوه، ومنفذوه من أمثال: حفتر والسيسي وخلفان ودحلان بأوامر من “أيمة” “مدن الملح” التي تأتمر بدورها بأوامر صهيونية، لوضع عالم كرس حياته للعلم على قوائم الإرهاب وهو الذي نبه الأمة إلى أخطاره وفصل ملامحه وأشكاله حتى لا يقع في جحيمه شباب المسلمين، في ذلك الوقت كانت “مدن الملح” غارقة في أميتها وفي بداوتها وفي نزاعاتها على زعامة القبيلة و”ولي العهد” و”ولي، ولي العهد”. وهي كذلك إلى اليوم كأنها لا تنتسب إلى هذا العصر.