الأربعاء 12 فبراير 2025

الذّبح والمافيا والرّعيّة

سليم بن حميدان
لست خبيرا في الارهاب ولكن الزلزال السياسي والنفسي الذي أحدثته عملية الذبح الإرهابية للراعي الشهيد خليفة السلطاني (رحمه الله) يجعلني أجزم بأنها من تدبير وتنفيذ نفس الجهة التي خططت لجرائم اغتيال بلعيد والبراهمي وذبح جنودنا في رمضان 2013 وكل العمليات البشعة والصادمة للمشاعر الوطنية والإنسانية.
إثر كل عملية من هذا النوع ينتاب الأغلبية الساحقة شعور حادّ وسحيق بالنقمة والسّخط على ثورة جاءت بالذبح والبربرية واقعا يوميا نقيضا للكرامة والحرية وعدا افتراضيا.
إنّه الإعداد النفسي للجماهير لكي ترضخ تلقائيا لمعادلة الأمن مقابل السلام كحاجة غريزية وضرورة وجودية فتعلّق مؤقتا إن لم تتخل نهائيا عن مطالبها “السريالية المشطة” في الحرية والعدل والشفافية ومكافحة الفساد والسيادة والديمقراطية والحكم التشاركي.
أمام بشاعة الإرهاب الصادم تصبح كل القضايا الأخرى مهما كان حجمها تفاصيل ثانوية جدا أو مؤجلة لا يعبأ لها الناس، نخبة وعوام، ولا يلحون كثيرا في طلبها لكلفتها الباهظة إذ ليس للخائف المذعور من رجاء سوى قوة تحميه وتنقذه من الموت ذبحا.
يعبر عن هذه المعادلة الوجودية أبلغ تعبير المثل الشعبي الشائع “ما خصّ المشنوق كان ماكلة الحلوى”.
هكذا تغسل أدمغة الجماهير فيصبح مطلب القبض على “صاحب الكلاب” الأخرى هراءً، وتصريح النائبة “متاع البيسين” بخصوص تورط قيادات حزبها في تهديد أمننا القومي ثرثرةً، واعتراف بن غربية بمعرفته بحقيقة اغتيال بلعيد نوبةً عقليةً تنتهي صلوحيّته بشهادة طبية !
أما قضايا البترول والكامور وقائمة الـ 315 فاسدا المطلوب قانونا بالمرسوم عدد 13 مصادرة أملاكهم والفيديو المفبرك من مستشار الباجي ضد الرئيس المرزوقي والطعون التي قدمها هذا الأخير للقضاء بخصوص عمليات التحيل والتزوير الانتخابي، وزيارة عميل فريدم هاوس الى ليبيا ولقائه بالعميل الصهيو-إماراتي حفتر وتورّطه في فضيحة بنما… ناهيك عن المليارات المنهوبة من المكلف العام بنزاعات الدولة والقروض المحروقة المفضية إلى تفليس البنك الفرنسي-التونسي وصفقات Go MALTA وبنك لازارد والسيارات الإماراتية المصفحة وغير المصفحة (الKIA) وحامل السلاح وصانعه من حزب النداء والفساد المالي الكبير الذي تورط فيه أحد شركاء الطرابلسية وابنته ومديره بأكبر مجمع تونسي هو Holding ALFA والثابت بتقرير هيئة الرقابة العامة (أي الدولة نفسها) المحال الى القضاء منذ سنة 2012… كل هذه القضايا تصبح تفاصيل وجزئيات أمام فاجعة الرأس المقطوع بل ضربا من قصص الكوع والبوع !
كانت قناعتي الصميمية دائما ولا تزال أن الجهة التي أشرفت على الاغتيالات السياسية وتحرك خيوط الإرهاب وتقطع رؤوس الأبرياء هي نفسها التي بثت الرعب في التونسيين بنشر القناصة قتلة الشهداء أيام الثورة بغية إجبارهم على التراجع عن ثورتهم ومطلبهم المركزي في الحرية والكرامة المرتبط لديهم عضويا بالتصدي “لعصابة السراق”… إنها يقينا نفس الجهة المالكة لوسائل صناعة الغباء وقنوات الإنتاج اليومي للعهر والرداءة والإحباط والقهر والتي يشكل نجاح الثورة وترسيخ الحريات والديمقراطية الفاضح لها والخطر الماحق لوجودها.
مالم نتخلص نحن استباقا من هذه المافيا وذلك بذبحها (قانونا) عبر مصادرة جميع أملاكها وتحجير السفر عليها (كما يفرضه القانون الوطني والدولي لمكافحة الفساد) فسنظل نحن هم ذبائحها… وسيبقى الناجون من الذبح غبارا من بشر أو قطعانا من رعية ترعى وتنتفض… تنتفض وترعى !
رحم الله راعينا الذبيح وكتبه عنده من الشهداء وأفرغ على أمّه وذويه صبرا جميلا.
#الفساد_هو_الإرهاب
#داعش_هي_المافيا


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

الخطأ الإستراتيجي الذي إرتكبته قوى الثورة

سليم بن حميدان الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته وتمعن فيه قوى الثورة هو بقاؤها دوما في …

جوهر الموضوع هو الفساد الذي نخر البنك الـفرنسي التونسي

سليم بن حميدان تعقيبا على المحاكمة التي نصبوها لي البارحة في قناة التاسعة حول موضوع …

اترك رد