بطاقة بائسة من زمن نوفمبري غابر
صالح التيزاوي
كذب من قال أن النفاق قد زال من إعلامنا بهروب المخلوع، ومخطئ من يحصر الإستبداد في شخص الزعيم، او أجهزته الأمنية، وإنما الإستبداد صناعة ابتدعها مثقفو السلطة وعلماء البلاط، يصنعونها طمعا ورهبا: طمعا في عطايا الزعيم، ورهبة من بطش هم أنفسهم قد زينوه للحاكم على أنه من هيبة الدولة.
كتب أحد الولاة للخليفة العادل عمر بن عبد العزيز يستأذنه في استعمال بعض الشدة مع الشعب، حتى ينصلح حال المجتمع، فرد عليه بفقه سياسي عميق ما أحوج حكام العرب إليه: “كذبت، بل يصلحهم العدل”.
تقول أخبار التاريخ أن الخليفة العادل يوم توليه الخلافة خطب في الناس: “من أراد مصاحبتنا فليرفع إلينا حوائج الناس، وليرفع إلينا مظالم من لا يستطيعون رفعها إلينا، ولا يغتابن عندنا أحد، ولا يمدحنا بشئ فإنا لا نعطي على المدح”. تقول الأخبار: فانفض من حوله الشعراء، والكتاب والفقهاء ممن يتكسبون من أقوالهم وأقلامهم.
قرأت هذه الأيام في بطاقة من صحيفة نوفمبرية خالصة، يقول كاتبها معلقا على ما أصبح يعرف بالحرب على الفساد: بأن رئيس الحكومة تحول إلى نجم من نجوم المجتمع، وأن شعبيته توسعت، وأن حالة من الإنتعاش قد عمت المجتمع”.
صاحب هذه البطاقة، هو نفسه الذي كتب بطاقة في المخلوع، عنوانها “لماذا نحبه؟” يزايد فيها على جوقة المناشدين، فجاءه الرد من الجموع الهادرة، يوم 14 جانفي 2011″ لماذا نكرهه”؟
بين البطاقة الاولى في حب المخلوع، وبين البطاقة الثانية في حب الشاهد، وقبل أن تتكشف نتائج الحرب على الفساد، وقبل ان تضع الحرب اوزارها، مازال مثقفو السلطة، يجتهدون
في صناعة الإستبداد أكثر من صناعة الأفكار، ويرفضون مواكبة التحولات التي أحدثتها الثورة، ويعملون على استعادة بؤس الحقبة النوفمبرية.