سامي براهم
أرسل لي البعض على الخاصّ عددا من رسائل التعريض واللوم والإدانة والتّشكيك لكيلي بمكيالين في التعاليق حول تطورات الوضع في المنطقة حيث يكون صوتي مرتفعا وقلمي سيّالا عندما يتعلّق الأمر بإيران وحلفائها بينما يكون صوتي خافتا محتشما وقلمي جافّا أو شحيحا عندما يتعلّق بالسعوديّة ودول الخليج.
وتشنّج البعض في طرح السّؤال: لماذا لم تكتب عن زيارة ترامب للسعوديّة وقمّة العار بين العرب وأمريكا و”أموال الجزية” التي أعادتها السعودية للأمريكان وغير ذلك ممّا يدور في خلد أنصار إيران وسياساتها في المنطقة.
ولأنّني لن أقول جديدا في هذا المجال ولن أزيد على النّصائح التي توجهت بها للإيرانيين مسؤولين سياسيين وعلماء ومثقّفين في عديد المناسبات وبشكل مباشر من داخل إيران ومن تونس وحيثما التقينا بأهل الرّأي والقرار في هذه الدّولة المؤثّرة في المنطقة.
فقط نذكّر بما قلناه سابقا لهؤلاء من أنّ إيران يجب أن تكون معنيّة بنهضة العرب التي يمكن أن تشكّل مع نهضة تركيا و آسيا المسلمة “نقصد هنا الإسلام الحضاري” قوّة حضاريّة جديدة لصالح شعوب المنطقة ودولها في اتّجاه تدعيم سيادتها على قرارها وثرواتها.
لكن للأسف إيران استغلّت ضعف العرب وتشتّتهم وانساقت وراء أطماعها التوسعية والهيمنيّة واستغلّت الأوضاع في المنطقة لتجيّرها لصالح مشروعها القومي المذهبي منذ الغزو الأمريكي للعراق وإسقاط صدّام حسين الذي كانت أكبر مستفيد منه حيث حوّلت العراق إلى ولاية من ولاياتها وبغداد إلى عاصمة إقليم من أقاليمها.
كما توهّمت إيران أنّ نجاحها في تطبيع علاقاتها مع الدول الكبرى في اتّفاقيّة لوزان أفريل 2015 “إيران والدول الستّ” والمتعلّقة بالسّلاح النووي الإيراني وما تلاها من تنسيق أمني وعسكري مع أمريكا في مقاومة الإرهاب، توهّمت أنّ ذلك صكّ على بياض وتأشيرة عبور للهيمنة على دول المنطقة حتّى أعلن أحد مسؤوليها أنّ دولته تسيطر على أربع عواصم عربيّة.
بل ازداد الصّلف والوهم لدى حكّام إيران إلى درجة انّهم تصوّروا أنّ بإمكانهم أن يعيدوا رسم خريطة المنطقة ديمغرافيا واثنيّا وسياسيا على هواهم بشكل منفرد، وبعد انتخاب ترامب الذي أطلق عبارات منفلتة حول السعودية ودورها في دعم الارهاب هلّل أنصار إيران وبشّروا بقرب تحرير مكّة والمدينة.
أكيد سيسأل من يقرؤون هذه التدوينة ممّن توجّهوا لي باللوم: ما علاقة إيران بدول معروفة لديهم بعمالتها التاريخيّة لامريكا وللغرب عموما تستقبل راعيها التاريخي وتجدّد ولاءها له ؟؟؟
أجيب نعم لإيران علاقة مباشرة حيث دفعت سياساتها التوسّعية الرعناء في المنطقة وتهديداتها بل ومحاولتها فرض أمر واقع على الارض إلى مزيد الاتجاه نحو الاحتماء بالغرب والدّولة الكبرى في التقاء مصالح هجين يمكّن أمريكا من تمرير سياساتها وتقوية نفوذها في المنطقة مقابل ضمان الأمن لهذه الدّول التي تتمنّع عن التغيير والإصلاح.
كان أمام إيران فرصة تاريخيّة لبناء جسور ثقة وتعاون وتشكيل حلف استراتيجيّ قويّ مع دول المنطقة ومع أمم الشرق عموما لتشكيل نهضة إسلاميّة توفّر الأمن والرّفاه والحماية لشعوب المنطقة، لكن إيران استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير.
لا ادري هل وقع استدراج إيران كما استُدرِج صدّام لغزو العراق أم غلبت عليها شقوتها وشهوتها فقدّمت بتنطّعها المسوّغات الجاهزة لترامب ليعرض نفسه وإدارته حاميا للعرب أمام التهديدات الإيرانية وأمينا على مصالحهم.
نفس هذا الكلام قلناه مرارا وتكرارا لشخصيات مرموقة ونافذة إيرانيّة أو قريبة من إيران، لكن ّ إيران وأنصارها المزهويّين بانتصاراتهم لم يكونوا يسمعون إلا رجع صدى أصواتهم.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.