خسائرنا بين الفلاحة والسياحة: حديث out of record
كمال الشارني
قادني العمل الصحفي إلى معرفة الكثير من الأسرار الخبيثة لصناعة السياحة في تونس، أول نزل سياحي تبنيه الدولة كان في مدينة الكاف، “سيكا فينيريا”، تأسيسا على الميراث التاريخي العظيم لمملكة نوميديا وبناء على رأي خبراء أمميين، على أساس أن ثروة البلاد في عمقها التاريخي، ورخائها في رهان الدولة على الداخل، على الأقل، تفاديا للنزوح وربطا للسياحة بالإنتاج الفلاحي.
في ذلك الوقت، لم تكن السياحة الشاطئية تعني شيئا غير مجموعة من النافذين في قمع الوطنيين يحتكرون بيوتا هجروا أهلها منها في ولاية نابل في الستينات لتحويلها إلى محلات متعة على البحر لهم ولأصدقائهم ومحضياتهم، في الأثناء كان ثمة لورد بريطاني يدبر للزعيم بورقيبة في تحويل تونس إلى مقصد لسياحة الفقراء، استشارة خبيثة مقابل 25 ألف جنيه استرليني وقتها من أموال الدولة التونسية، وسمسرة لتونسي خبيث كان يريد تحطيم أسطورة السياحة البيئية والثقافية التي بدأها أحمد بن صالح.
أغلب أراضي المناطق السياحية بيعت بالدينار الرمزي، إن لم تكن ملك الدولة، فإن الدولة تشتريها وتعطيها بالرمزي لأصدقائها، سريعا ما صدرت قوانين على المقاس للاستثناء الجبائي وأنشأت البنوك الممولة ورصدت الأموال الطائلة، وعبدت الطرقات الفاخرة وأنشأت محطات الطاقة والماء وكل ما يلزم للإقامات الفاخرة، لضيوف تونس من فقراء الدول الأخرى، وكانت ممنوعة على التونسيين، حتى إن كانوا “لاباس عليهم”، شباب اليوم لا يعرف أن أباءهم كانوا يأكلون طريحة لمجرد الإصرار على دخول نزل تونسي.
بنيت النزل بقروض طائلة بفوائد رمزية من الدولة (أغلبها لم يدفع)، لكي تحصل على أرض بحرية وتمويل وقروض واستثناءات ضريبية، لم يكن مطلوبا منك سوى علاقة قرب عائلية أو حزبية لكي تصبح مالك نزل، تغلقه صيفا في وجوه التونسيين لكي لا يزعجوا السياح الفقراء، (بعضهم يأتينا من أجل الجنس لا غير)، وتغلقه شتاء لتتخلص من العمال بحجة الإصلاح والترميم، في سنوات القحط، بيعت الغرفة في نزل تونسي مصنف بما يقارب 12 دينارا تونسيا لليلة، وفي عام 2001، كنت مذهولا في باريس بإشهارات في أنفاق الميترو للسياحة في تونس: أقل من 300 دينار لسبعة أيام وثماني ليال في نزل تونسي باعتبار الطائرة، هل تصدق ؟
في عام 2009، قال لنا وزير السياحة وقتها سليم التلاتلي إن ديون النزل التونسية تجاوزت 8 مليارات دينار، كان الرقم مهولا وصادما، أكثر من نصف الميزانية، سألته عن ديون الفلاحة والفلاحين، فضحك، إنها أقل من ثمانين مليون دينار، لم يكن الحديث قابلا للنشر out of record، وقتها.
اليوم، أتوسل إلى وزيرة السياحة لتعطينا رقما واضحا حول ديون النزل وأسبابها وما تم خلاصه منها، وما ساهمت به الدولة منذ أزمة حرب الخليج الأولى، وحجم ما تخصصه الدولة للفلاحة والصناعة والتنمية، فقط لكي نعرف أين نمشي، منذ أن أصبحنا نستورد الطماطم والبصل من ليبيا.