صاحب “سيغما كونساي” يستقوي بالإعلام لتصفية الحساب مع منتقديه
في سابقة خطيرة، يظهر صاحب: “سيغما كونساي” على إحدى الفضائيات، واصفا منتقديه، بأنهم “حيوانات” و”قلال حياء”، و”مرضى” سيقتلهم مرضهم. كان موقفا صادما للتونسيين، لا يقل صدمة ولا وجعا عن تمرير قانون “مصالحة اللصوص”.
سب وشتم علني، للذين عبروا عن رأيهم في النسب التي “يفبركها” صاحب “سغما كونساي”، مشهد إعلامي، لم تعد كلمة “إعلام العار” تفي بالغرض في توصيفه، بل هبط إلى درجة، لا يضاهيها في الدناءة والرداءة، وقلة الأدب إلا صوت الداعين في استكبار على الشعب إلى تمرير قانون المصالحة الإقتصادية (سئ الذكر).
إن ما لحق “شعب “الفيس بوك” من سب، وتحقير وإهانة صدر عمن يفترض فيه أنه شخصية عامة، ومن واجبه أن يترفع عن لغة السب والتجريح، وأن يبدي قدرا من التحضر والآدمية في التعامل مع الجمهور، بمن فيهم خصومه، حتى وإن انتقدوه، إن لم يكن ذلك، احتراما لنفسه، فاحتراما لجمهور المشاهدين، وللإعلام بصورة عامة، وللقناة التي استدعته لتعطيه “حق الرد” على كلام ورد على شبكات التواصل. ولكن القناة المعنية، دائما وكعادتها تتعمد المغالطة في إعطاء “حق الرد”. تريد أن تكرس “حق الغلبة في الرد”، فالنقد الموجه لسغما كونساي جاء على أعمدة التواصل الإجتماعي ولم يكن على ذات القناة. إن ما حدث هو استقواء بالمنابر الإعلامية لتصفية الحساب مع المخالفين في الرأي وتوظيف سئ للإعلام، وانحراف به عن مهامه.
ومن اللافت للإنتباه أن ما حدث من إهانة متعمدة للمواطنين، واعتداء على الذوق العام، قد تم تحت أنظار “الإعلامية”، التي تدير المنبر الحواري وبرعايتها، حيث كان من المفترض ان تتدخل وتمنع ضيفها من السب والشتم والتجريح. مما يعني أن سكوتها، كان تواطؤا معه، وأنه وقع في نفسها موقعا حسنا. ماذا ينتظر صاحب “سقما كونساي” من الجمهور؟ هل ينتظر منهم إعجابا وثناءا خالصين على ما يبذل من جهد لتلميع المنظومة البائدة، وترذيل الثورة ؟ أليس من حقهم أن يختلفوا معه؟ إلا إذا كان يعتبر نفسه في “مهمة”، باتت واضحة لكل عاقل: خدمة المنظومة القديمة بكل وقاحتها.
“صاحب سيغما كونساي”، لقد ضجت به وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وشغل الناس بأرقامه، والكل يعرف انه كان يقدم أرقاما غير بريئة، وأنها كانت على مقاس حزب النداء، تحشد له الرأي العام، وانها تخدم الثورة المضادة فهل استكثر على المواطنين ان يعبروا من خلال شبكات التواصل عن آرائهم ؟ وهل مجرد رأي على شبكات التواصل كان يستدعي من “الزرقوني” ذلك الحقد الكبير والعدوانية المفرطة بحجم كرهه للثورة وانصارها. ولماذا هذا التشنج في الرد على منتقديه إذا كان واثقا من نزاهة عمله وصحة أرقامه؟ حقيقة المشكل في تونس: أن فئة من التونسيين من أهل “الجبن والطمع” الذين لم تواتيهم الجراة على أن يقولوا “لا”، للإستبداد، والذين أدركوا أن مصلحتهم مع الثورة المضادة، لم ترتق في وعيها إلى مستوى التحولات التي أحدثتها الثورة والمستقبل الذي تفتح عليه، وأنهم يفهمون حرية الإعلام من جانب واحد، وفي اتجاه واحد، تماما، كما كانوا زمن الحزب الواحد والراي الواحد، تحت حكم الزعيم الأوحد.
أيا كانت دوافع “سغما كونساي”، وأهدافه مما يقدم من معطيات وأرقام، وأيا كانت دوافع معارضيه فيما يوجهون له من نقد، فإن الأمر، لا ينبغي أن يخرج عن دائرة الإختلاف في الرأي، فمن العار أن يصل الأمر إلى حد سب المواطنين والحط من كرامتهم كما فعل، من يفترض فيهم انهم إعلاميون، هم اولى الناس باحترام مهنتهم، وباحترام مشاهديهم.
يبدو أن أزمتنا أضحت مركبة، متعددة الجوانب والمظاهر لامست كل مجالات الحياة، على أن أخطرها أزمة الأخلاق التي أصابت النخب: “وإذا أصيب قوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا”.