تونس أمام خطر الإنزلاق الرئاسي
إسماعيل بوسروال
رئيس الجمهورية يسترجع سلطات قلّصها الدستور
شهدت الوظيفة العمومية في تونس أنواعا من الترقيات لاتخضع للمنطق الإداري حيث هي بدون بذل جهد كما هي بلا أقدمية وتسمح بالارتقاء إلى درجة أعلى أو درجتين سميت “الترقية الانزلاقية”.
ونحن اليوم في تونس، بعد الخطاب الرئاسي 10 ماي 2017 نشهد انزلاق النظام السياسي البرلماني المعدل نحو “الرئاسي” بما يؤكد فعلا استعادة المنظومة البائدة لصلاحيات فقدتها من خلال تحجيم دور الرئيس طبق فصول دستور 2014.
بدا الرئيس الباجي قائد السبسي الحاكم الفعلي الوحيد للدولة التونسية من خلال قراره إقالة رئيس الحكومة الحبيب الصيد ثم اقتراحه يوسف الشاهد لتشكيل حكومة جديدة ثم ابتكر شكلا جديدا من الائتلاف الحاكم وهو “الوحدة الوطنية” عوضا عن الائتلاف الرباعي.
هنا رسم الباجي قائد السبسي صورة له هي صورة قديمة للرئيس الذي يُهيمن على السلطة التنفيذية بجناحيها {الرئاسة والحكومة} فهو يُعيّن رئيس الحكومة ويعزله كما انه يحدد شكل الائتلاف الحكومي كما يضع له برنامجه {وثيقة قرطاج} وهو بعد ذلك يتابع عمل الحكومة من خلال استقبال رئيس الحكومة أسبوعيا كما كان يفعل بن علي وبورقيبة في “النظام الرئاسي”.
الانزلاق الرئاسي الخطير
من حق رئيس الجمهورية القيام بالمبادرة التشريعية، طبق الدستور، ولكن ما حف بمقترح {المصالحة الاقتصادية} مثّل انزلاقا خطيرا أبعد البلاد والشعب التونسي عن أجواء ثورة الحرية والكرامة وغيّر المعادلة من “إنصاف المظلومين” حسب منطق إعادة الحقوق إلى أصحابها والعدالة الانتقالية إلى منطق {المنظومة القديمة} لفرض إرادتها وحماية مصالحها ورموزها وشبكاتها وكأن الجرائم الاقتصادية المرتكبة هي من باب “التقاليد المحمودة”.
المأزق السياسي بسبب قانون المصالحة الاقتصادية
كشف خطاب الرئيس الباجي قائد السبسي يوم 10 ماي 2017 انزلاق منظومة الحكم نحو هيمنة الرئيس على السلطتين التنفيذية والتشريعية من خلال امتعاضه من ردود وملاحظات احد شركائه في الحكم وهو حزب حركة النهضة حيث أشار إلى مواقف قادته العريض والهاروني رافضا النقاش خارج اللجنة التشريعية وهو إصرار على استغلال الظروف وفرض وجهة نظره المنحازة إلى طرف واحد، حيث كان “الاعتدال” يقتضي فتح حوار سياسي قبل القانوني، حوار بين القادة السياسيين لربط المصالحة الاقتصادية بالسياق العام للعدالة الانتقالية.
تجاهل تام للظلم والمظلومين من ضحايا الاستبداد
غاب التوازن في الخطاب الرئاسي 10 ماي 2017 بين جناحي مشهد العدالة الانتقالية في تونس.
لقد تجاهل الخطاب الرئاسي تجاهلا تاما أن في تونس آلاف الضحايا الذين سحقتهم آلة الاستبداد والفساد وكان عليه أن يربط بين الحرص على “المصالحة الاقتصادية” و”إنصاف المظلومين” الذين لم يسترجعوا حقوقهم سواء المشمولين بالعفو العام أو غيرهم من 65 ألف ملف لدى هيئة الحقيقة والكرامة تتطلب تعاون جميع الإدارات والمصالح لكشف الحقائق المرّة الغائبة والمُغيّبة.
قضايا إنسانية عابرة للتاريخ تتطلب شجاعة وإرادة…
نحن ننتظر كشف حقائق الانتهاكات
ننتظر جبر الأضرار
نحن ننتظر محاكمة الجلاّدين
نحن ننتظر محاسبة الفاسدين
ننتظر إجراءات تمنع إعادة منظومة الاستبداد
الثورة قامت من أجل الحرية والكرامة فأين إنصاف الفئات والجهات.
نرفض حرص المنظومة البائدة المحيطة برئيس الجمهورية التي تدفع نحو الانزلاق الرئاسي من خلال اختصار أزمة المجتمع التونسي في رفع القيود عن المتورطين في الاستيلاء على المال العام بشكل أو بآخر.
نعم للمصالحة، مصالحة تضمن الحقوق للتونسيين جميعا من هذا الطرف أو ذاك.
لا وألف لا… لمصالحة اقتصادية لفائدة الذّئاب.