قانون المصالحة من ثلاث وجهات نظر قابلة للنقد والنقاش
تمهيد:
الوضع العام أيام المخلوع كان لا يجرّم الفساد خاصة لكبار الموظفين ورجال الأعمال. حتى ما يجرمه القانون الوضعي المكتوب لا يجرمه النظام العام. لهذا من غير العدل محاسبة الناس على فعل جرى العرف فيه أنه غير مجرّم.
وينقسم الفساد لقسمين. قسم يجرمه القانون لا يحتاج لقانون خاص حتى يحاسب مرتكبه وقسم يبيحه أو لا. يجرمه القانون ومن الظلم محاسبة الناس عليه.
وجهة نظر اقتصادية:
يدور الاقتصاد التونسي عبر محرّكين أساسيين الأول رجال الأعمال ورؤوس أموالهم والثاني الإدارة التونسية وكوادرها.
منذ الثورة وهذين المحرّكين معطلين. مشلولين خوفا من شعار المحاسبة والانتقام والتشفي الذي يصر البعض على رفع فزاعته لأسباب مختلفة ابرزها الابتزاز والإخضاع.
وهنا لحل هذا الأمر مساران. الأول محاكمة الجميع والزج بهم في السجون والثاني العفو عن الجميع والتجاوز عن الماضي وإعادة الطمأنينة لنفوسهم مع إحداث قانون يجرم الفساد والتنبيه عليهم بعقوبات مضاعفة لمن يعود لممارسة الفساد.
أما الحلول الجزئية من نوع محاسبة البعض من الذين لم يدفعوا ولم يدعموا… لإرضاء بعض الأطراف السياسية وذر الرماد على العيون. وترك البقية مكافأة لهم أو تورطا معهم فهذا منتهى الظلم والفساد.
أنا أميل لحل العفو عن الجميع وإحداث قانون يجرم الفساد والتنبيه عليهم بمضاعفة العقوبة. لان العقاب الجماعي لا ينفع في شيء بل يزيد في شلل الاقتصاد ويضاعف الأزمة إضافة الى انه فعل غير أخلاقي.
وجهة نظر دينية:
حين نتكلم عن المحاسبة فنحن نتكلم عن أمر نقدر عليه. انظروا ماذا فعل رسول الله مع كفار قريش حين قدر على المحاسبة. قال لهم “اذهبوا فانتم الطلقاء” لم يكتف بذلك بل جاء لرجال الإدارة والسلطة ولرجال المال والأثرياء ووهبهم واجزل لهم العطاء فأعطى للواحد منهم عشرات أضعاف ما اعطى للواحد من الصحابة. وفي المقابل لم يعطي الأنصار شيئا..
لم يحاسبهم على نهبهم أموال بني هاشم
لم يحاسبهم على نهبهم أموال كل من يهاجر لرسول الله في المدينة.
لم يحاسبهم على قتلهم وتعذيبهم للمسلمين.
لم يحاسبهم على الدعاية الضخمة مدفوعة الأجر التي قاموا بها ضده بكل قذارة.
عفا عنهم واجزل لهم العطاء. وحفظ لهم مكانتهم.
رغم أن هناك من الثورجيين من أغضبه ذلك حتى أتى رسول الله وقال له “اعدل فانك لم تعدل”.
وجهة نظر سياسية:
إن الأعيان والأثرياء لا يهتمون بدينهم بقدر اهتمامهم بمكانتهم وثروتهم. فان رايتهم يستميتون في محاربة راي أو فكر أو دين فاعلم انهم يفعلون ذلك خوفا على ثرواتهم ومكانتهم التي يخشون المساس بها.
فتراهم ينفقون بسخاء لتسفيه من يظنونه خصما فيصنعون له الأحزاب ويشترون ولاء وذمم النخبة السياسية والأكاديمية وحتى الفنية ويجندون الصحفيين وينفقون عليهم بسخاء. مثلما فعل كبراء قريش وأثرياؤها ومثلما فعل قارون ومثلما يفعلون اليوم في تونس.
لكي ننهي هذه المعركة الضروس علينا قطع التمويل لأنها حرب قائمة على ضخ المال للسياسيين والإعلاميين ورجال الدولة، أمنيين وقضاة وإداريين. وشعار المحاسبة لا يقطع التمويل بل يضاعفه، لهذا بعض السياسيبن مستميتون في رفعه.
إن خير حل هو ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم. بثلاث كلمات فقط قتل حربا وهي لازالت جنينا. “اذهبوا فانتم الطلقاء” أوقفت كل مخططات الانقلاب عليه وأمّنت البيت الداخلي وحمت ظهره وسمحت له بالتفرغ دون قلق لمحاربة يهود خيبر وغزو الروم.
ثلاث كلمات أغلقت الباب أمام المتربصين والمتمعشين من مثل هذه الحروب.
لو قيلت هذه الكلمات في تونس أول أيام الثورة لما اُنفق مليم واحد ضدها. ولما وُجدت قوى الردة ولما تكونت الجبهة الشعبية ولا نداء تونس ولا التيار ولا البناء ولا كثير من الأحزاب والإعلاميين ومؤسسات إعلامية.
شعار المحاسبة هو وقود الحرب في تونس لن تنطفئ الحرب إلا بانطفائه. عانينا ولازلنا سنعاني الكثير من مضاعفاته وتبعاته وخرابه.
لن ينصلح حال تونس إلا بانتهاء هذه الحرب.
رأيي هذا قابل للنقد والمراجعة وليس للشتم والمسافهة.