الآن وقد هدأ “التبندير”…
اختلفت الآراء حول خطاب رئيس الجمهورية وكل قيّمه وفق الزاوية التي ينظر منها، من كان خائفا من انقلاب على مسار الانتقال الديمقراطي وجد فيه ما يبعث على الطمأنينة باعتباره كان واضحا في رفضه لكل مغامرة سياسية لا تحترم الأجندات الوطنية والشرعية الانتخابية. الرئيس على وعي تام أن ما يطالب به قد سبق أن عمل تماما عكسه حين كان مُعارضا لحكم الترويكا ولكنه أراد أن يقول أن ذلك كان فلتة وقانا الله شرها ولا سبيل إلى انتهاجها مرة ثانية. وهذا في حد ذاته ومن الناحية النظرية أمر في غاية الأهمية ولكن واقعيا الباجي وشركاءه المتشاكسون دخلوا في منطق الانقلاب على الثورة منذ فترة طويلة ولكن وفق سياسة الجرعة/الجرعة حتى يستوي لهم الأمرعلى الجودي مع احترام كامل لكل إجراءات الديمقراطية الشكلية.
في الحقيقة إذا كان هناك استثناء تونسي بالفعل فهو الانقلاب على الثورة تحت يافطات شعارات الثورة. مشكلة الخائفين من انتكاسة لمسار الانتقال الديمقراطي، أنّهم في ذات الوقت يدافعون عن كل القوانين التي فتحت الباب على مصراعيه لعودة النظام القديم وآخرها قانون تبييض الفساد.
الذين لم يجدوا شيئا جديدا في خطابه ينطلقون من أنه خال من كل مبادرة لمحاربة الفساد ومعالجة معضلة المشكلة الاجتماعية التي تعصف بالبلاد بل زاد الطين بلة حين أقحم الجيش في الصراع السياسي وأخرجه من إطار واجبه الوطني فاتحا بذلك الباب لسابقة خطيرة. مشكلة هؤلاء أنهم لا يملكون حلا للمشكلات الاجتماعية المتفاقمة بل هم مستعدون للتضحية بما تبقى من الحد الأدنى من الديمقراطية والدخول بالبلاد في نفق أكثر ظلمة.
كان يمكن للرئيس وقد انتظره الجميع بحكم تحكّم ثقافة الزعيم الملهم، أن يبعث برسالة أمل قوية للشعب التونسي فيتخلّى عن قانون المصالحة المثير للجدل ويعلن عن سياسة جديدة لإدارة ملف الطاقة بتشريك الجهات التي حُرمت من عائداتها وكل تونس قد حُرمت منها ويبدي عزما قويا على محاربة الفساد والإعلان عن إجراءات ذات مفعول فوري لتحسين الحالة الاجتماعية للمناطق المُهمّشة ولكن ليس فقط فاقد الشئ لا يعطيه وإنما أيضا فاقد الإرادة لا يستطيع إلا أن يكون تبعا للمسؤول الكبير بحسب تعبيره.