محنة وطن وأزمة نخب: ليل طويل متى ينجلي ؟
ملّ المُقامُ، فكم أُعاشِرُ أُمّةً، | أمرَتْ، بغير صلاحها، أُمراؤها |
ظلموا الرعيّة، واستجازوا كيدها، | فعدَوْا مصالحَها وهم أُجَراؤها |
رفع المعري صوته بهذين البيتين، منذ نهاية القرن العاشر للميلاد، وأودع فيهما نقمته على ولاة ومسؤولين، أباحوا لأنفسهم العدوان على مصالح ألأمة، إما بإهمالها، او بتوظيفها لخاصة أنفسهم والحال أنهم خدام الأمة، بما تدفع لهم من أجور، فما بالهم يظلمون الأمة؟
مضت القرون تلو القرون والداء هو نفسه، لم ينفع معه إصلاح ولا مصلحون. وعندما جاءت الفرصة المناسبة، وأصبح الوضع مواتيا، لتعود الأمة إلى دائرة الفعل الحضاري، بعد أن ظلت على هامشه قرونا، تحت الإقتتال والإحتلال، والإستبداد يوم عاد الأمل للأمة، في استعادة دورها الحضاري، بفضل الربيع العربي، تجمع “أوباش” الداخل و”مجرمو” الخارج لإجهاض ربيعها، والإبقاء عليها تحت وصاية أعدائها.
تكالب على ربيع الأمة، حكام مأجورون، يعملون لغير مصلحة الأمة، لا يرقبون في شعوبهم عهدا ولا إنسانية، يطلقون كلابهم لازدراء ثقافة الأمة وحضارتها، وتشويه تاريخها، والإشتغال على سلخها من محيطها العربي والإسلامي وإحكام تبعيتها وإلحاقها بمن كانوا غزاة للبلاد، واستباحوا خيراتها ونكلوا بأبنائها، مرتكبين بحقهم المذابح والمجازر.
نكبت الأمة بنخب بلغت حدا لا يضاهى من النفاق والمكر:
يساريون، يتحالفون مع رأس المال للإطاحة بتجربة ديمقراطية، شكلت حلم أجيال بأكملها (اعتصام الرحيل).
ديمقراطيون، ولا يتورعون عن مساندة الإنقلابات العسكرية (السيسي في مصر وحفتر في ليبيا)، ومساندة حكم التوريث (وغد الشام) من قتل وشرد الملايين لأنهم لم يقبلوا حكمه.
ثوريون، ويؤيدون قمع الثورات العربية بحجج وذرائع سخيفة. ثوريتهم لا تتجاوز حناجرهم، يؤمنون بالثورة على استحياء في تونس، ويعتبرونها “مؤامرة، مدبرة من الإمبريالية عل الأمة” في سائر البلاد العربية، وهم الذين شغلوا عقولنا ونحن في سنوات المراهقة بأحاديثهم الفياضة عن “الثورة البلشفية” وعن “الثورة الفرنسية”، وإذا بهم اليوم يحتقرون ثورات شعوبهم، فهل يريدونها ثورة “حمراء” ؟
قوميون، ويساندون نظاما طائفيا، الطائفة العلوية في سوريا مسنودا بأكثر الطوائف دموية (حزب الله اللبناني، الحشد الشعبي في العراق، والحوثي في اليمن).
عروبيون، بنزعات عشائرية وقبلية، تغطيها قشرة من “التقدمية”، وشعارات تدعو إلى النضال في الأوحال. قال صلى الله عليكم وسىم : “ليست العربية لأحدكم من أب وام، ولكن من تكلم العربية فهو عربي”.
اشباه مثقفين، يعملون على تزييف وعي الأمة، يغتالون الحرية باسم الحرية، يترحمون على الشهداء صباحا، ويقطعون الطريق على من يسعى في دربهم مساءا. متفلتون من كل مبدإ، أو دين، أو أخلاق. بارعون في التلون، يشغلون عقول الناس بمعارك وهمية، ليست من مطالب الثورة في شئ. يؤمنون بالديمقراطية وجه النهار، ويكفرون بها آخره. صدعوا رؤوسنا بالحديث عن المجتمع المدني، وعن الدولة المدنية، ولا يجدون حرجا في مباركة الإنقلابات العسكرية، واستنساخ تجاربها في بلادنا، التي هي منطلق الثورة، وفاتحة الربيع العربي.
مثقفون، يريدون احتكار الثقافة، ويريدون القبض على الإعلام، والقبض على السياسة، والقيام بدور الموالاة والمعارضة.
أثرياء، نهبوا المال العام، من قوت الكادحين، وعلاجهم وتعليم أبنائهم، وأعانهم على ذلك مسؤولون كبار في الدولة، ممن يفترض فيهم أنهم حراس المال العام، وهم اليوم مطالبون بأن يرجعوا للشعب حقه، ويعتذروا له عما ألحقوا به من تفقير متعمد، وتهميش، لعله يصفح عنهم، إذا بهم وبكل وقاحة يقايضون الدولة: الإنخراط في التنمية، مقابل إسقاط جرائمهم من نهب وسلب.
من تجرأ على المال العام، وقبل أن يكون لصا، ولم يتورع عن أكل المال الحرام، حتى لو قال لهم الشعب: اذهبوا فأنتم الطلقاء، فإنهم لن يستثمروا في أية جهة من جهات البلاد. لأنهم تعودوا الإستثمار في الفساد.