الأربعاء 5 فبراير 2025

أزمة النظام في تونس

خليل كمون
عديدة هي محاولات التعريف لكلمة “نظام ” بالفرنسية “système” فالمصطلح يستعمل في عدة مجلات بدءا بالنظام السياسي وحتى الأنظمة التقنية الأكثر تعقيدا… ما تشترك فيه كل الأنظمة أنها تتكون من مجموعة عناصر ترتبط بعلاقات وتشتغل من اجل هدف، فتونس الدولة هي نظام له عدة عناصر وتتشابك فيه العلاقات ومن المفروض يوحده الهدف.
رفعت ثورة 14 جانفي شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” وهو ردة فعل الشعب والمجتمع الذي أصبح خارج النظام، أو أن النظام أصبحت أهدافه وعلاقاته بعيدة عن الشعب الذي يمثل عنصر استراتيجي في النظام، فانتهى الأمر بتعطل الاشتغال وبالتالي سقوط هذا العنصر واستعادة النظام لمساره واشتغاله.
ما سقط فعلا في 14 جانفي هو عنصر من عناصر النظام لا يمثل أهمية كبرى مقارنة ببقية العناصر ولذلك تواصل الاشتغال إما بتعويض هذا العنصر، أو بتلاحم الشعب والمجتمع مع السلطة-الدولة أو كذلك بإعادة ترتيب العلاقات والتشابكات مما يحافظ على تماسك النظام ويضمن له التواصل والاستمرارية لكن بصفة مؤقتة.
لم تعالج بعد الثورة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى التخلي عن بعض عناصر النظام وكيف نحمي هذا النظام من التفكك بل برزت 3 استراتيجيات مختلفة:
الأولى تعمل على استعادة النظام القديم واسترجاع القوة بأي شكل من الأشكال.
الثانية تدفع نحو تحطيم النظام ثم إعادة البناء وفق رؤية أخرى.
الثالثة وربما هي الأضعف تقوم بالمحافظة على النظام والإصلاح من الداخل.
اشتغلت هذه الاستراتيجيات وخاصة الأولى والثانية لأنها الأقوى وفق وسائل عدة إعلام أحزاب جمعيات منظمات محلية ودولية تمويلات… لم يغلب منطق الحوار الفكري العميق بينها بل منطق الصراع والاحتراب وتصفية الحسابات والمؤامرات والهدنة والتحالفات الوقتية رغم التناقض… وهنا انتقلنا من هدف واحد موحد وهو “الشعب يريد إسقاط النظام” إلى منطق الصراع بين عناصر ومكونات النظام نفسه والتحالف مع عناصر خارجة عن النظام مثل شبكات الإرهاب والتهريب لتحقيق استراتيجيات وأهداف متناقضة…
رغم الاستقرار النسبي الذي نلاحظه في بعض الفترات فان المسار الحقيقي لما بعد الثورة هو اللانظام والفوضى مهما كانت الخطابات متفائلة وإيجابية وتبعث الأمل، ربما يخفت الصراع لفترات ويبرز لنا استقرارا ظرفيا لكن سرعان ما تطفوا الخلافات والصراعات من جديد… فالاستقرار هو الاستثناء والصراع مع القطيعة هو القاعدة… وتجليات ذلك هو تغيير عديد الحكومات منذ 14 جانفي إلى اليوم وربما يتواصل مع الحكومة الحالية… لكن هل لازال تغيير الحكومات حلا يمكن من تواصل النظام ولو ظرفيا خاصة وان الحكومة الحالية إن سقطت هي الأقصر عمرا في تاريخ البلاد؟
السؤال المطروح اليوم ونحن نعيش دورة وعادة شهرية من عدم الاستقرار وهي لا تختلف عن سابقتها لكن الأخطر كيف ستنتهي هل مازال النظام قادرا على التماسك وخلق توازن ظرفي جديد؟ أم أن ما نراه هو منعرج خطير من الفوضى واللانظام، لا استطيع تصور تجلياته لأنها في كل الأحوال مخيفة حتى بمجرد التفكير فيها، أمام فوضى بدأت تدب في النظام العالمي؟


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

أبو يعرب المرزوقي

مكر الله الخير ما علاماته الحاسمة؟

أبو يعرب المرزوقي صارت اللعبة بالمكشوف: وهو المقصود بالتطبيع والشرق الأوسط الجديد. ولكن في شكل …

سليم حكيمي

كيف خانت منظمة التحرير قضية فلسطين

سليم حكيمي لم يكن ممكنا جرّ “منظمة التحرير الفلسطينية” الى أوسلو إلا بعد شقّها، وتصفية …

اترك رد