في بالي عندي راجل
الطيب الجوادي
من ذكريات الطيب ولد هنيّة
مع منتصف تلك الليلة الشتوية الباردة، حلّ بنا ضيف صحبة زوجته وبنتيه إنه قريب لنا كان يشتغل في الساحل و”شاط” قلبه من الغربة كما أخبرنا فقرر ان يستأجر “كات كات باشي” ليطمئن علينا ويكحّل عينيه بطلعاتنا البهيّة، استيقظت هنيّة فزعة على نباح الكلاب بعد أن أيقظتني بدوري، فقد كان الوالد يشتغل في ليبيا وكنت انا رجل البيت وبعد أن دعت هنية العائلة للجلوس فوق حصيرنا البائس انتحت بي ركنا قصيّا وأمرتني أن اركب بغلتنا وأقصد “خالي رمضان الحوانتي” وأطرق عليه الباب ليفتح لي دكانه الملاصق لمنزله وأقتني منه “بالكريدي”: كليلو و ميا، ودبوزة زيت، وڤازوزة فانتا، وكيلو مقرونة فل وحكة طماطم بورطل”، وكما في كل مرّة ترجيتها ان تسمح لي أن أقتني لنفسي “صندوق حلقوم” فصفعتني بقسوة، وأمرتني أن “نزرب روحي” كي تحضر العشاء للضيوف!
ركبت البغلة وانا ارتجف خوفا فقد كان الظلام دامسا في الخارج، والارض موحلة ومنسوب المياه في النهر مرتفعا، لعنت الضيف بيني وبين نفسي، ولكني كنت أدرك انه لا خيار لهنيّة إلا أن تكرم ضيفها وإلا غدونا سبّة الدهر، لكزت البغلة وتمسكت جيدا باللجام، وانا أحاول أن اتماسك معتمدا على خبرة بغلتنا بالطريق، وبمجرد ان زوّدني خالي رمضان الحوانتي بما اوصتني به هنية عدت من حيث أتيت، ولا اعرف إلى اليوم مالذي حصل لبغلتنا وجعلها تحرن وترفض عبور النهر الذي تعودت عبوره عدة مرات في اليوم، فعلت كل ما أقدر عليه لأجعلها تعبر مجرى الماء ولكنها كانت تغرس حوافرها في الأرض الموحلة وترفض التقدم، فما كان مني إلا أن أمسكت باللجام بيد وبقية الأغراض بيد اخرى، وتقدمتها إلى الماء عساها تستجيب وتتبعني، ولكنها تراجعت بقوة فسقطت في الماء وحمل التيّار كلّ ما اقتنيته من دكان العطار!
عدت لهنية مثلما يعود جندي خسر الحرب وفقد سلاحه في الميدان، حزينا منكسرا وقد تبلل جسدى وتمزقت ثيابي، ففهمت كل شيء وامرتني أن أدخل الغرفة بسرعة لتشعل النار وتجفف ملابسي !
وغمغمت بجملتها التي أحزنتني طويلا، وحفرت عميقا في وجداني: “في بالي عندي راجل!”.