ديني الحريّة
سامي براهم
كانوا يعلمون بوضعه الصحّي ومع ذلك حرصوا على جرجرته من قناة وإذاعة إلى أخرى بحثا عن الطّرافة والفرادة والإثارة ولرفع نسبة المشاهدة… دفعوه الى الأقصى في خطاب توتير هويّاتي بقصد استدراج المتشنّجين وضعاف العقول للتكفير والعنف…
أرادوه شهيدا ليربكوا المسار… لكنّ الله سلّم… وأحبط أعمالهم…
درّست كتابه “أمّة الوسط” لطلبة العربيّة… وكنت كلّما بدت لي أفكاره مثيرة للجدل أجنح إلى التّفاعل العلمي الهادئ الرّصين… كتبت في الرّدّ على كتابه ليطمئنّ قلبي مقالا عنوانه ليطمئنّ عقلي وكتبت عن قضيّة الخمر والبغاء والعبوديّة وملك اليمين وغيرها من المسائل المثيرة ردودا علميّة لا تزال منشورة على الفايسبوك… ودعوت من يعتبرون مواقفه مستفزّة لمشاعرهم الدينيّة أن يشغلوا أنفسهم بالرّدود العلميّة عوض التّكفير والشيطنة والتحريض…
لم يكن الرّهان عندي الدّفاع عن الإسلام لأنّني وجدت الكثير من الأفكار الصّادمة التي عبّر عنها في فترة مرضه من الضّعف المنهجي والعلمي الذي لا يشكّل خطرا أو تهديدا لما يعتقد المسلمون أنّه حقائق الدّين القطعيّة.
ولكن كان رهاني أوّلا هو اختبار الضّبط المنهجي في التّناول العلمي لمسائل الدّين ولكن كذلك وأساسا اختبار الحريّة:
كيف يمكن أن نتدرّب على هذا التّمرين الصّعب في زمن الهويّات القاتلة ؟
كيف يمكن للشّخص أن يعبّر عن قناعة أو فكرة تخالف رأي الجمهور والضّمير العامّ ويأمن مع ذلك على حياته وحريّته في التّفكير والتّعبير دون أن يكون هناك كهنوت يمارس عليه دور محاكم التّفتيش وحكم الردّة… إلا ما يمكن أن يثيره ذلك من جدل علمي وفكري…
كان دينه الحريّة كما يقول وقد مارس هذا الدّين بكلّ المساحات التي توفّرت في هذا البلد… وهذا في حدّ ذاته مكسب غير هيّن يجب أن نذود عنه بكلّ ما أوتينا من قوّة.
رحمه الله وتقبّله بعدله ولطفه وعفوه.