جوائزهم وانتصاراتنا.. من الكومار إلى الكامور
ليلى حاج عمر
بعد تهنئة الفائزين.. من القلب
حين قرّرت خوض غمار جائزة كومار كنت أتحدّى في سرّي ذلك الإعلامي الذّي كان يصول ويجول في التّلفاز وفي العقول قبل أن يتحوّل إلى قياديّ في أحد الأحزاب. أذكر أنّه رفع رأسه بعنجهيّة ( أيام الاحتفال بعيد الثورة ) في وجه أحد الضّيوف ليقول له بغطرسته المألوفة: أين سرديّاتكم حول الثّورة؟ ليس لكم شيء ولم تنتجوا شيئا يذكر. آنذاك قرّرت أن أقدّم روايتي وكنت لا أنتظر سوى قراءتها فقد نالت من التكريم ما يكفي. ولكنّي وأنا أرتقي درج قصر المؤتمرات ليلة البارحة وأرى فخامة الاحتفال وحضور سفير فرنسا بتونس والتّقديم باللّغة الفرنسيّة رغم أنّ أغلب الحضور تونسيون والاحتقار الواضح للغة العربيّة رغم الاحتفاء بالرّواية أدركت أنّي أخطأت الطّريق. أنا في المكان الخطأ. لقد نقدت هؤلاء في الرواية. هذه ” النّخبة ” الإعلامية والثقافية التي احتكرت كلّ شيء وزيّفت الوعي وتلاعبت بالعقول لسنوات. وكنت ألتفت إلى أصدقائي وأقول لهم: ” نحب نروّح. روحو بيّ..” لكنّهم كانوا يشجّعونني كعادتهم بابتسامتهم اللطيفة. جلست كأنّما على الحصى وأنا أسأل: ماذا أفعل هنا؟ هذا ليس عالمي.. بقيت دائما بمنأى عن هذه الأجواء التي أمقت وكنت سعيدة..
وحين تكلّم سفير فرنسا كنت أستحضر ما كتبته في روايتي عن بطلي الشهيد في فرنسا وعن فرنسا: “كان جالسا ذات يوم في ذلك الزّمن القصيّ من عالم البشر حين دخلت. لعلّه نسي الآن اسم ذلك المقهى الباريسي الذّي التقيا فيه لأوّل مرّة فالذّاكرة اهترأت والوعي بالعالم أضحى باهتا ولكنّه يصارع كي لا ينقطع، كي لا يتلاشى. ويخيّل إليه أنّه كان في مكان ما داخل تلك المدينة العجوز التي تنام ليلا لتحرس أحلامها الاستعماريّة القديمة وتستيقظ صباحا لتغنّي الحريّة.
وفي فصل آخر:
“كان اللّقاء قرب باب البحر أمام الكنيسة وقبالة السّفارة الفرنسيّة التّي تعلن سيادة المستعمر القديم الذي ما فتئ يشتري ملح الأرض بنفس ثمن بدايات زمن الاحتلال..”.
كلمة السفير ذكّرتني بهذه الأحلام التي تنام عليها فرنسا ليلا. التفت إليّ أحد الأصدقاء وقال لي مازحا: لو فزت ولو بربع جائزة احذري الحديث عن الثّورة أمام السّفير. قلت: بل سألقي خطابا وسأهدي الرواية إلى أرواح الشّهداء. وفي خضمّ إدراكي استحالة الأمر كنت أبحث كعيسى بن هشام في المقامة الأصفهانية وقد وقع بين يدي طائفة من المتشدّدين عن منفذ للخروج وكنت ألتفت ورائى لأجد الباب قريبا وأفتقد صديقتي دجلة التي كانت ستشاركني المغامرة. مغامرة الانسحاب طبعا =D وأمنّي النّفس ببيتي الهادئ ومكتبي الصّغير والنصّ الذّي بدأت ولا بدّ أن أنهيه وصوت فيروز يرافقني وابني يعبث بأعصابي كعادته ثمّ ننفجر ضحكا. وأخرجني من أمنياتي المصدح يعلن عن النتائج بعربية متعثرة وفرنسية مكسرة فعدلت وجلست وخفق قلبي فرحا وأنا أسمع اسم جلبار نقاش واستغربت أن يحصل على نصف جائزة لجنة التحكيم. كما استغربت أن يتحدّث صاحب اللجنة عن مشاركة ثلثين من النساء وعن نساء كثيرات فائزات ثمّ نجد فوز 6 رجال وامرأتين. طيّب يا نساء ونصف: أنتنّ لا تصلحن للكتابة فقرن في بيوتكنّ واكسرن أقلامكنّ.. هكذا قرّر “حداثيو” الثّقافة. والأدهى أنّ جوائز الرّواية بالفرنسيّة وزّعت بالمناصفة فكان عدد الفائزين 6 فائزين أمّا الجوائز عن الرواية العربيّة فلم يتجاوز عدد الفائزين الّثّلاثة فهنا لا نجيد الكتابة بالعربيّة ولا مجال للمناصفة والإبداع فرنكفونيّ أساسا. لا ريب أنّ حضور السّفير الفرنسي وأتباعه عدّل الكفّة لصالح اللغة الفرنسيّة. نحتاج سفيرا للّغة العربيّة.. نحتاج سفيرا للعربيّة داخل هذه المقاطعة..
أمّا عن دور النّشر واحتكار دور النشر للجوائز.. فملفّ كبير.. سيفتح يوما..
قلت لمرافقيّ: كلّ كلمة قلناها في نقد حرّاس المعبد الثّقافي كانت صحيحة.
وصلت إلى قواعدي آمنة وأنا أحمد الله على السّلامة. كنت سعيدة بالخسارة كأنّه انتصار ولكنّي خفت ابني. أخفيت الأمر كتلميذة فاشلة. قرأ شيئا في وجهي لم أنجح في درئه. ماما لاباس؟ ـ أبدا لقد انهزمت لكني انتصرت. كنت أخاف ضحكته الشريرة وهو يقف عند مطبّاتي ومآزقي والمواقف “البايخة” التي أضع نفسي فيها =D
وكان يشغلني سؤال واحد: هل قرئت فعلا؟ هل وصلت الفكرة؟ ولكنّ الرّسائل التي تلقّفتها البارحة من أصدقائي الذّين يسألون طمأنتني. اشتركوا في جملة واحدة: روايتك وصلت للناس ونفذت إلى القلوب.. لا تحزني ولا تحملي همّا..
هذا الصّباح انتقلت بسرعة من الكومار إلى الكامور في الجنوب حيث الأهالي يصوغون روايتهم الأفضل.. ويقاومون وحدهم الإذلال والإقصاء..
الكامور هي الأصل..