في إقالة وديع الجريء.. وفنّ بيع الوهم للتونسيّين..!!
عبد اللّطيف درباله
للأسف فإنّ الكثير من التونسيّين ليسوا ضحايا الأوهام فقط.. وإنّما هم من يشجّعون الإنتهازيّين على تسويقها لهم.. لأنّهم يبحثون عن تلك الأوهام ويحبّونها ويعشقون العيش فيها.. وهم لذلك يسمحون لمن يلعب على مشاعرهم وفقا للمثل التونسي الشعبي المعروف: “حدّثني علّي نحبّ حتّى بالكذب”..!!
وقس على ذلك في كلّ المجالات وأوّلها السياسة.. وإن كنّا هنا سننطلق من المجال الرياضي كمثال..
لست مغرما بكرة القدم.. ولا أهتمّ بها.. ولا يهمّني اللاّعبون والمدرّبون والفرق والجامعة ورئيسها والمعلّقون والمحلّلون الرياضيّون ورؤساء الأندية في شيء..
غير أنّه في موضوع قضيّة الموسم التي ترك نصف الشعب التونسي مشاكل تونس ومشاكلهم الشخصيّة وانتصبوا للاهتمام بها والإفتاء فيها.. وهو بقاء أو رحيل رئيس الجامعة وديع الجريء.. فأنا مندهش حقّا.. مندهش ممّن يصدّقون من يقول لهم أنّهم يسعون لإقالة رئيس الجامعة وديع الجريء..
فالجميع يعرف (ودون أن يكون بالضرورة مغرما ومتابعا لمباريات الكرة) بأنّ جامعة كرة القدم تخضع لهياكل الاتّحاد الدولي لكرة القدم المعروف باسم “الفيفا”..
والفيفا” هذه هي “دولة” فوق الدول.. ولا سلطة في كرة القدم خلاف وخارج سلطتها.. وهي تتحكّم في جميع هياكلها.. بما في ذلك تلك الهياكل داخل الدول.. والتي من بينها جامعات كرة القدم الوطنيّة في كلّ بلد..
وطبق قوانين “الفيفا” فإنّ منصب رئيس الجامعة يحصل عليه الشخص بالانتخاب من جميع الفرق الأعضاء بجامعة كرة القدم.. وتمنع الفيفا أيّ تدخّل من السلطة السياسيّة في جامعات كرة القدم.. وفي رئيسها المنتخب الخاضع لأحكام الفيفا رأسا..
ولا يمكن تعيين رئيس جامعة كرة قدم بدون انتخاب.. كما لا يمكن عزل رئيس جامعة منتخب..
وحتّى الخلافات التي تحصل في مجال كرة القدم والتحكيم وبين الفرق بعضها ببعض.. وبين الفرق واللاّعبين والمدرّبين.. كلّها تفصل وتحكم فيها الهياكل الوطنيّة المعتمدة لدى “الفيفا”.. ويمكن الطعن في قراراتها وأحكامها أمام الاتّحاد الدولي لكرة القدم.. أو أمام المحاكم الرياضيّة المختصّة التابعة له.. والتي تكتسي أحكامها وقراراتها جميعا علويّة لا يمكن كسرها داخل البلاد.. لا من الهياكل الرياضيّة الأخرى.. ولا من السلطة السياسيّة.. ولا حتّى من السلطة القضائيّة..
وبالتالي فإنّ الحديث الدائر اليوم عن عزل وإقالة وديع الجريء (الذي لا أعرف ولا يهمنّي أن أعرف إن كان طيّبا أو سيّئا) من رئاسة الجامعة..
والحديث عن مقابلة مسؤولين رياضيّين لوزيرة الرياضة لأجل ذلك.. ولأجل البحث عن حلّ له..
وما تمّ تداوله سابقا من بعض الإعلام الموالي للحكومة وللسلطة منذ أسابيع عن إستقبال رئيس الحكومة يوسف الشاهد لوديع الجريء.. وعن الحديث إليه بكلّ صرامة وحزم..
كلّ ذلك لا يعدو أن يكون إلاّ بروباغندا للاستهلاك الشعبي لا غير..!!
فخوض حملة إعلاميّة وسياسيّة ضدّ وديع الجريء قد تؤثّر عليه وتدفعه كشخص للإستقالة تلقائيّا فعلا إن أراد بنفسه ذلك..
لكن إن رفض الجريء الإستقالة.. فإنّ الحديث عن إقالته هو محض أكاذيب غير حقيقيّة.. وليس هناك قوّة في تونس قادرة على إزاحته من منصب رئيس الجامعة قبل نهاية مدّته التي وقع إنتخابه لأجلها..
لا رئيس الجمهوريّة ولا رئيس الحكومة ولا مجلس النواب ولا القضاء ولا المحكمة الإداريّة.. ولا أيّ قوّة أخرى أو شخص او مجموعة أشخاص.. بقادرة على فعل شيء في الموضوع.. ولو فعلت.. فقرارها باطل آليّا بالنسبة “للفيفا”.. وستقع معاقبة تونس فورا وحرمانها من المشاركة في التظاهرات الرياضيّة الدوليّة..
لذا.. فمن لديه مطاعن في وديع الجريء فليتوجّه بها للفيفا صاحبة الأمر والنهي الوحيدة في المجال.. ولا يصلح لذلك لا اجتماعات ولا تجييش للجماهير الكرويّة ولا إثارة للنعرات الجهويّة ولا بلاتوهات تلفزيّة ولا تهديدات ولا مقابلات مع أهل السلطة ولا مطالبة للحكومة بالتدخّل..
وكفانا من الهراء الذي لا طائل منه في تونس..
وليعلم الجميع بأنّ حديث البعض بخلاف ذلك هو محض بيع للوهم لتحقيق الشعبيّة والجماهيريّة لدى الناس.. ولدى محبّي الكرة أساسا..
واهتمّوا في المقابل بمستقبل أولادكم الذي يُسْرَق منكم ومنهم هذه الأيّام في ما أنتم منشغلون بتوافه الأمور..
أمّا وديع الجريء فهو راحل لا محالة في موعد أقصاه نهاية مدّته بعد اشهر معلومة.. طبعا إن لم تقم نفس الفرق المحتجّة عليه اليوم بإعادة انتخابه مجدّدا كما فعلوا سابقا في آخر انتخابات..!!!