إنّ ما هو أخطر من الأموال التي نهبها النّظام المدحور وأخطر من كلّ ما فعل من مصائب طيلة العقود السّابقة فكان أكثر وقعا على هذا الشّعب الطيّب، هو تأصيل وغرس وتكريس فقدان قيمة العمل لدى التونسي ابتداء من الطّالب والتلميذ إلى الموظّف والعامل مرورا بشريحة العاطلين،،
نظام قام على اللّصوصيّة والإستغلال والنّهب والبحث عن الثراء الفاحش لديه ولدى زبانيّته حقّر كل جهد بالفكر أو بالسّاعد وحفّز وسوّق وشرعن لكل ّ طرق اللّصوصية والفساد والقمار وتعاطي الرّذيلة، كما اختلق لها التعريفات الرنّانة واستصدر لها القوانين ووفّر لها الحماية،،، حتّى غدت كلّ هذه الموبقات أمرا مستساغا لدى النّخب قبل العامّة ولم يبق أيّ حرج أخلاقي ولا أيّ مانع شرعي لدى كثير من مكوّنات الشّعب للمشاركة في هذه المفاسد والمساعدة لباعثيها وبأن يكوّنوا لهم روافد هامّة من التمويلات الخياليّة ويساهموا في إثراء أرصدتهم.
طبعا وبرغم ندرة الرّبح إلاّ أنّ الثراء الخيالي الحاصل أحيانا يحرّك الشّهوة لدى الشّرائح التي فقدت حظّها في التشغيل أو خابت مساعيها بعد عمر طويل على مقاعد الدّراسة أو حاصرتها الإحباطات فرمت بها على كراسي المقاهي تسرح مع الخيال والأحلام التي لا ولن تتحقّق في ظلّ نظام باع البلاد وضيّع العباد…!
ذهب النّظام وبقي -زرعه- الذي زرع وللأسف كثير من سياسيينا ونخبنا لم تلتفت إلى هذا الخور الضّارب وهذا السّرطان المتغلغل في فكرنا وسلوكاتنا أو قل لا يسعدها أن يتغيّر هذا الحال، ولم تبحث في أصل من الأصول التي تقوم عليها الحضارات وتنمو بها البلدان وتؤسّس لازدهار ورفاهيّة الشّعب، لم تشخّص ولم تنبّه إلى أنّ أيّ شعب فقد تقدير أحد القيمتين -الوقت والعمل- فالتخلّف حليفه والجهل والتبعيّة نصيبه.
إضافة إلى هذا فإنّ القمار الذي ترفضه القوانين القويمة وتحرّمه الشرائع هو باب من أبواب الدّمار وباب من أبواب الإفلاس وتفشّي الرّذائل وإنهاك الإقتصاد لا يقلّ شأنا عن الرّبا والتهريب وما شابه.
فهل وعيت نخبنا وبعضا من قادة السّياسة لهذا الخطر المُمَوّل من شبكات عالميّة موجّهة قصدا لبلداننا -المتخلّفة أصلا- حتّى لا تفلت من دوائر الرأسماليّة الوسخة وتبقى تحت سيطرتها واستعمارها وتبعيّتها مادّيا وفكريا وسلوكيّا ؟؟؟ وهل منهم من (صدقت وطنيّته) واستقامت سريرته لمحاربة هذا الغول والعمل على إيجاد البدائل وردّ الإعتبار لقيمتيْ الوقت والعمل لدى شبابنا وعامّة الشّعب ؟؟؟
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.