“ديمقراطية القوى” وضمور ديمقراطية المواطنة
الحبيب بوعجيلة
-في النقد الجذري للمغالطة-
سيكون من السذاجة والامعان في تزييف الوعي القبول باطروحة ان الصراع الحالي بين القوى الفاعلة في المشهد التونسي هو صراع بين مشاريع انتقال ديمقراطي نحو دولة المواطنة كما كان الصراع غداة فرار راس دولة التسلط واثناء المشاركة الجماهيرية في اول انتخابات مواطنية في اكتوبر 2011.
منظومة الحكم الحالية ممثلة في حزبي النهضة والنداء والكسور الحزبية الشريكة ومنظومة المعارضة ممثلة في مشروع تونس من ناحية والجبهة الشعبية من ناحية اخرى والقوى الرديفة لهما ليست قوى حكم ومعارضة تمثل رؤى ووجهات نظر متباينة في سياق اختلاف على مشاريع متنوعة في بناء دولة المواطنة بقدر ما يظهر باطراد انها مجرد تعبيرات سياسية على مجموع اللوبيات الاقتصادية والثقافية المحلية والدولية المتصارعة على وراثة اجهزة الدولة.
الاخطر من ذلك ان الاجهزة المادية والرمزية للدولة مثل الامن والقضاء اساسا والتربية والتعليم والثقافة والاعلام والادارة تشهد بدورها نفس صراع القوى باذرع ملائمة لطبيعتها اي بالجمعيات والنقابات.
لا نعلم ان كان ضعف الكسور الحزبية او الجمعياتية غير المؤثرة في المشهد ناتج عن كونها تحمل “مضمون المواطنة” كمضمون غير مطابق للمرحلة بما هي مرحلة صراع “القوى” او ان ضعفها ناتج عن عجزها على تسويق نفسها كرديف وظيفي للوبيات المتحكمة في الاذرع الوظائفية للصراع من احزاب وجمعيات الحكم والمعارضة البارزة.
لا نحكم بالسلب ولا بالايجاب على طبيعة الصراع السائد فقد يكون صراع القوى برعاية اللوبيات المحلية والدولية هو المرحلة الضرورية اللازمة قبل بداية صراع المواطنة ولكن ما نكتفي بتسجيله ان تجارب الانتقال في الديمقراطيات المستقرة بدات عكسيا ببناء ديمقراطية المواطنة قبل التحول الى ديمقراطية اللوبيات.
نحن نعتبر مع ذلك ان ديمقراطية القوى تبقى مع ذلك مرحلة ارقى من وضعية الاستبداد اذا ظل صراع القوى سلميا متمسكا ولو شكليا بما تم اقراره في الدستور وان كنا نعتبر ان ديمقراطية القوى لا تضمن الاستقرار وحسن الاداء.
خطاب المواطنة والنقد الجذري لديمقراطية القوى سيبقى خطابا مقبولا كلما كان هامشيا بلا “قوة” ولكن كل “القوى” ستتظافر على “اغتياله” اذا اصبح مزعجا للمغالطة السائدة وهذا موضوع اخر.