تدوينات تونسية

نهضة الدولة ونهضة الشعب

عبد القادر الونيسي

كان متوقعا أن وصول النهضة إلى السلطة سيحدث انشطارا لا مفر منه.

أصبح في المشهد نهضتان: نهضة اختارت السلطة والدولة ونهضة تربت في المساجد نموذج السلطة عندها هو الخلافة الراشدة أو لا يكون فاختارت أن تنأى بنفسها عن القفز في المجهول.

فضلا على استخلاص البعض لدروس تجربة الإسلاميين المريرة مع السلطة في السودان والذين كانوا أهم مرجعية فكرية للحركة الإسلامية في تونس.

الانقسام لم يحدث زلزالا داخل الجسم وذلك للتربية الأخلاقية السائدة داخل عموم الجسم وخاصة أولئك الذين اختاروا الابتعاد عن التموقع الحزبي.

نهضة الدولة وهي لا تملك ثقافة السلطة حاولت بكثير من التردد اصلاح الممكن إلا أنها جوبهت بماكينة تتقوى يوما بعد يوم متوسلة بالداخل والخارج لمحاصرتها وتقليص هامش الفعل أمامها.

هذا لا يبرر الفشل في إدارة البلاد وخاصة التردد في محاسبة الفاسدين واغتنام مفعول الصدمة لتغيير موازين القوى لصالح الشعب.

الحقيقة مؤشرات عدة تفسر الإنقلاب الناعم الذي حدث والرعب الذي أصاب النهضة مما جعلها تسلم السلطة دون مقاومة لكن يبقى العنصر الحاسم هو الانقلاب المصري الذي عرى ظهرها وأيقنت عندها أن النظام الدولي الذي بارك فضاعة الانقلاب في مصر لن يتحرج في مباركة انقلاب في تونس.

بعدها لم يعد لها إلا حضور شرفي داخل السلطة استطاعت من خلاله حماية نفسها ورد بعض الشرور عن المجتمع.

نهضة الشعب اختارت أن تبدأ من حيث أوقف نظام القمع مسيرها. اختارت أن تنتشر داخل المجتمع ومؤسساته. دعوة وإصلاحا. مكنتها أجواء الحرية من تأسيس الجمعيات الخيرية لخدمة الناس تطعم الفقير تداوي المريض. تساعد طالب العلم. انتشرت داخل المنظمات ومؤسسات المجتمع بأقدار من النجاحات والإخفاقات.

أنتبه لها مبكرا اليسار المتمترس داخل السلطة فحاول حصارها وحل الجمعيات التي تدور في فلكها لكن هذا المسعى لم يبلغ منتهاه ولن يكون متاحا إلا في ظل ديكتاتورية عاتية تأتي على الجميع. (مجتمع ما بعد الثورة مازالت فيه أقدار من الحرية). وهذا ليس في صالح أحد.

نهضة الشعب بقيت وفية لثقافة تأسيسها تسري بين الناس. تبلغ اسلام الرحمة والسماحة. تعلم الناس وتواجه دعوات التطرف والافتئات على نمط التدين الذي ألفته البلاد.

لا ترهقها ضروب السياسة وفتنها ولا صراعات المواقع وضررها.

خلاصة المشهد نهضتان في الساحة ما هو حجم العلاقة بينهما ما هو الرابط الذي مازال يربطهما هل سيتعايشان أم سيفترقان ؟

هذا ما ستجيب عليه الأيام.

“أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ”.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock