عجائب سبر الآراء السياسي في تونس..!!
عبد اللّطيف درباله
فوضى وتناقضات صارخة..
في سبر آراء أجرته “سيغما كونساي” لصاحبها حسن الزرقوني أشهر “خيّاط” في تونس لتفصيل استطلاعات الرأي على قياس حرفائه.. والذي نشر منذ أيّام فقط.. وبالإشتراك مع جريدة “المغرب”.. أظهرت نتائجه بأنّ الشخصيّات السياسيّة الخمسة الأكثر شعبيّة أو كما جاء في العنوان “خماسي الطليعة” في تونس.. هي على التوالي وبحسب الترتيب.. أوّلا عبد الفتّاح مورو (69%).. والثاني يوسف الشاهد (66%).. والثالث ناجي جلّول (65%).. والرابع الصافي سعيد (63%).. والخامسة سامية عبّو (61%)..
اليوم صدر سبر آراء جديد أنجزته “امرود كونسيلتينغ” بالتعاون مع جريدة “الصباح”.. وتمّ فيه توجيه سؤال حول “من هي الشخصيّة السياسيّة التي تراها اليوم صالحة لقيادة البلاد؟”.. والجواب يكون تلقائيّا أي بدون توجيه المستجوب لقائمة أسماء معيّنة.. ونتائج الجواب تطابق في جوهرها الإجابة عن أكثر الشخصيّات السياسيّة شعبيّة في تونس باعتبار أنّها ستعكس رؤية عامّة المواطنين عن الشخصيّات التي تحظى بإعجابهم وبثقتهم ويرغبون أن يروها في السلطة وفي قيادة الدولة.
وبحسب نتائج استطلاع آراء “امرود كونسيلتينغ” فإنّ الشخصيّة الأولى هي الباجي قايد السبسي (17.1%).. ويليها ثانيا محمّد المنصف المرزوقي (11.2%).. وثالثا حمّة الهمّامي (7.5%).. ثمّ الصافي سعيد (6.5%).. وخامسا راشد الغنّوشي (3.4%).. ويليه سليم الرياحي (2.8%).. وبعده الهاشمي الحامدي (2.4%).. ويليه محمّد عبّو (2.1%).. وتاسعا مهدي جمعة (1%)..
يعني أنّ السبسي الأوّل في سبر “امرود”.. والمرزوقي الثاني.. والهمّامي الثالث.. والغنّوشي الخامس.. هؤلاء كلّهم لا وجود لهم أصلا في الخمسة أسماء الأولى في سبر آراء “سيغما”..!!
بل أنّ الغنّوشي صنّفته إحصائيّات الزرقوني بأنّه ضمن الشخصيّات الخمسة في المؤخّرة بين الأقلّ شعبيّة.. مثله مثل الهاشمي الحامدي وسليم الرياحي.. اللّذان صنّفتهما “امرود” على النقيض من ذلك ضمن قائمة التسعة الأوائل بين أكثر السياسيّين شعبيّة لدى التونسيّين..!!
أمّا أصحاب المراتب الثلاثة الأولى في سبر آراء الزرقوني وهم عبد الفتّاح مورو ويوسف الشاهد وناجي جلّول.. فلا أثر لهم على الإطلاق في المراتب التسعة الأولى كاملة في سبر آراء “امرود” كونسيلتينغ..
وفي حين جاءت سامية عبّو في المرتبة الخامسة لدى “سيغما كونساي”.. غابت تماما لدى “امرود كونسيلتينغ” وحلّ مكانها زوجها محمّد عبّو في المرتبة الثامنة..
في البلدان الديمقراطيّة المتقدّمة يمكن أن تتفاوت النسب في عمليّات سبر الآراء السياسي.. لكن بدرجات ضئيلة ومعقولة.. لا تبلغ في أقصى الحالات أكثر من 3 أو 5 بالمائة.. وتعدّ تلك النسبة مشطّة.. ويعدّ حينها تفاوتا مثيرا للاستغراب وللنقاش والتساؤل..
وبرغم تعدّد عمليّات سبر الآراء وتعدّد الشركات التي تنجزها في البلدان المتقدّمة.. فإنّه يستحيل بأن تجد نتائج متناقضة جدّا ومتباعدة ومتضاربة إلى هذه الدرجة كما تجدها في تونس..
ففي أمريكا مثلا يمكن أن تجد سبر آراء قبل الانتخابات يقول لك بأنّ هيلاي كلينتون هي الأولى في نوايا التصويت بنسبة 51% مثلا.. وورائها دونالد ترامب بنسبة 49%.. ولكنّ سبر آراء آخر يمكن أن يظهر مثلا بأنّ ترامب هو الأوّل بنسبة 50.4% وهيلاري هي الثانية بنسبة 49.6%.. لكن لن يطلع عليك سبر آراء آخر ليقول لك بأنّ الأوّل في نوايا التصويت هو “ميكي ماوس” هو الأكثر شعبيّة بين المرشّحين بنسبة 55%.. والثاني هو ترامب بنسبة 26%.. والثالثة هي هيلاري بنسبة 19%..
أمّا في تونس فيمكن أن يحدث كلّ شيء وكلّ الغرائب والعجائب في عمليّات سبر الآراء السياسي..
ورغم أنّ حزب التيار الديمقراطي تقدّم بمشروع قانون جديد يفرض تنظيما لشركات وعمليّات سبر الآراء السياسيّة في تونس.. ويضع ضوابط ومعايير محترفة.. ويفرض رقابة.. وذلك بغرض وضع حدّ للتلاعب بالاستطلاعات السياسيّة عمدا وبسوء نيّة بغرض توجيه الرأي العامّ.. فإنّ ذلك القانون لا يزال يرقد في أدراج مكاتب المجلس وفي محافظ النواب.. لأنّ الأحزاب الحاكمة ذات الأغلبيّة في البرلمان ترغب في تواصل فوضى عمليّات سبر الآراء.. وهي في حاجة لخدمات حسن الزرقوني وأمثاله لتوجيه الرأي العام وصنع شعبيّة زائفة.. وتشويه وتقزيم منافسيهم السياسيّين..