كيف تخدعك الحكومة لبيع البنوك العموميّة الثلاثة ؟؟
عبد اللّطيف درباله
في سنة 2015 أقرّت حكومة الحبيب الصيد برنامجا لإنقاذ البنوك العموميّة الثلاثة وهي بنك الإسكان والبنك الفلاحي والشركة التونسيّة للبنك وذلك بضخّ مبلغ ناهز 800 مليون دينار لمنع إنهيارها وإفلاسها.. وتمّت المصادقة على ذلك القرار من مجلس نواب الشعب..
وفي آخر حوار مع يوسف الشاهد رئيس الحكومة اليوم قال بأنّه تمّ ضخّ 700 مليون دينار سنة 2015 لصالح الشركة التونسيّة للبنك.. وأنّهم إن لم يفعلوا شيئا.. فإنّه سيضطرّون لضخّ 500 مليون دينار جديدة سنة 2018.. وعندما سأله المقدّم هل أنّ الحلّ يكمن في بيعها أجابه رئيس الحكومة بنعم.. (يمكن مشاهدة الفيديو المنشور على نفس هذه الصفحة).
الحقيقة أنّ الحكومات المتعاقبة منذ الثورة.. وصولا إلى حكومة يوسف الشاهد.. أخطأت في توصيف ما وقع.. ولم تكشف كلّ الحقائق حول الموضوع..
إذ أنّ الجزء الأعظم من خسائر هذه البنوك يأتي من قروض ضخمة وعديدة غير خالصة.. وهي تتوزّع إلى صنفين:
الصنف الأوّل من القروض غير الخالصة للبنوك العموميّة الثلاثة “المتأزّمة” كان لفائدة أفراد العائلة الحاكمة السابقة مثل بلحسن الطرابلسي وعماد الطرابلسي وصخر الماطري وغيرهم الكثير.. والذين حصلوا على مئات المليارات وقامت الثورة ولم يرجعوها..
لكن في المقابل فقد تمّت مصادرة أملاك هؤلاء جميعا بتونس.. وتمّ بيع الكثير منها.. ووفّرت للدولة مداخيل بمئات المليارات من الملّيمات..
وكان يفترض معالجة الموضوع بأن يقع أوّلا سداد القروض غير الخالصة لفائدة البنوك المقرضة.. وما زاد عن ذلك يرجع لخزينة الدولة.. لكنّ خصوصيّة قانون المصادرة جعلت تلك الأموال تستخلص مباشرة للخزينة العامّة باعتبارها أصبحت ملكا للدولة..
بعبارة أخرى ولتكون الفكرة واضحة.. فإنّ جزء ضخما من القروض غير الخالصة والتي تشكّل نسبة هامّة من الخسائر المعلنة للبنوك العموميّة الثلاثة.. هي قروض غير خالصة سبق وأن تحصّل عليها أفراد العائلة الحاكمة سابقا قبل الثورة..
وإنّ الأملاك المصادرة لأفراد العائلة الحاكمة السابقة ومنها عقّارات ثمينة وأسهما ببنوك وشركات بما في ذلك شركات توريد سيّارات.. تمّ بيعها بمئات المليارات في السنوات اللاّحقة للثورة.. وتمّ إيداع تلك الأموال بخزينة الدولة..
لذلك فإنّ الواقع أنّ جزء من الأموال التي ضخّتها الدولة في البنوك العموميّة الثلاثة.. والتي تشمل تغطية خسائرها التي تشمل بدورها القروض غير الخالصة لأفراد العائلة الحاكمة السابقة لبن علي.. تمّ خلاصها من أموالهم أنفسها..
وبالتالي فإنّ الـ800 مليون دينار التي تمّ ضخّها في البنوك ليست كلّها من خزينة الدولة حرفيّا.. وإنّما غالبيّتها هي من أموال تلك البنوك نفسها الواقع استرجاعها بطريقة غير مباشرة عبر المصادرة وبيع ممتلكات مدينيهم من طرف الدولة..
لذلك فإنّ القول بأنّ الدولة ضخّت 800 مليون دينار من خزينتها في تلك البنوك العموميّة مبالغا فيه ولا يستقيم قانونا ومحاسبة..
أمّا الصنف الثاني فيخصّ نسبة من الخسائر لتلك البنوك العموميّة الثلاثة تخصّ قروضا غير خالصة بمئات المليارات منحتها لرجال أعمال تونسيّين..
وأغلب هؤلاء المتحصّلين على تلك القروض الضخمة موّلوا الحملة الإنتخابيّة لنداء تونس.. (ونسبة ضئيلة منهم قد يكون موّل النهضة.. وبعضهم موّل النهضة والنداء معا في نفس الوقت).. وقد تحصّلوا مقابل ذلك على وعود بتسوية وضعيّتهم.. خاصّة إزاء قضايا الفساد المفتوحة أمام القضاء منذ 2011 وما يليها..
كما أنّ جزء كبيرا من تلك الخسائر الماليّة للبنوك العموميّة الثلاثة كان نتيجة سوء التصّرف والإدارة فيها.. والفساد والسرقة والنهب.. والمحسوبيّة والمحاباة وعدم تطبيق المعايير المصرفيّة.. والتي تعرّضت لها على أيدي رؤسائها وكبار مديريها.. والذين لا يزال عددا كبيرا منهم يعمل بتلك البنوك أو ببنوك أخرى.. بل أنّ بعضهم رقّي.. والبعض الآخر عيّنوا كمستشارين في الوزارات وربّما في رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهوريّة نفسها.. والكثير منهم ينشط في السياسة أو الاقتصاد أو مع الأحزاب الحاكمة..
وهؤلاء جميعا سواء من رجال الأعمال الذين بذّروا مليارات البنوك العموميّة الثلاثة أو مسؤوليها المتسبّبين في ذلك.. هم أنفسهم الذين يسعى الباجي قايد السبسي منذ وصل للرئاسة وللسلطة.. إلى أن يصدر لفائدتهم “قانون المصالحة” المتعطّل منذ أشهر بمجلس النواب لأنّ شريحة كبرى من القوى السياسيّة والشعبيّة والمجتمع المدني ترفضه..
لذلك فإنّ القول بأنّ الدولة ضخّت 800 مليون دينار كاملة لتعويض البنوك العموميّة الثلاثة المذكورة عن خسائرها وتعويمها وإنقاذها من الإفلاس هو قول منقوص.. ذلك أنّ جزء من تلك الأموال يأتي كعمليّة سداد ذاتيّة لتلك الديون من المتسبّبين فيها أنفسهم كما شرحنا.. وجزء آخر استفادت أحزاب الحكومة ومسؤوليها ووزرائها من أموالهم.. والتي هي نفسها أموال تلك البنوك العموميّة المهدورة.. للوصول إلى السلطة والحكم.. وهؤلاء هم أنفسهم الذين يبحث رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة عن حلول قانونيّة وقضائيّة لهم لتسوية وضعيّتهم وتجنيبهم المساءلة عن أموال تلك البنوك الضائعة التي لم تجد حكومة يوسف الشاهد حلاّ إلاّ بيعها والتفويت فيها..