مقالات

في العلاقة بين اليسار والإسلاميين

أبو يعرب المرزوقي
سؤال أديب الحب
سأل أديب الحب التونسي سؤالا ناتجا عن تعجبه من موقف اليسار الاستئصالي من الإسلاميين مهما اعتدلوا: ما الذي زرع في قلوبهم كل هذا الحقد؟
وسكت.
ويقيني أنه يعلم الجواب.
ذلك أن وصفه لبعض أعمال الصفين يبين أنه يعلمه ولم يصرح به لئلا يتهم بالانحياز لطبيعة المتقابلات في وصفه وما تمثله
وقد حاولت الإجابة عن سؤاله دون أن أضعه ودون أن أصرح بالصفين أعني بخلاف ما فعل هو
صرح بهما وسكت عن الجواب
وأنا أجبت وسكت فلم أذكر الصفين
ولأجمع بين سؤاله وجوابي في إطار التأويل الجامع بين الصفين اعتمادا على كونية المعادلة الوجودية.
ولأذكر بالمعادلة حتى نصل بوضوح السؤال بالجواب
كل البشر بنية وعيهم هي عين المعادلة الوجودية
وهو يكتمل بمدى اجتماع مقومات المعادلة فيه بحثا عن وحدة ذاته التي لا تكون نفسه مطمئنة من دونها
فما وصفه أديب الحب من أحوال صف اليسار الاستئصالي هو الفوضى الروحية الناتجة عن عدم وصول الوعي لديهم إلى العلاقة المباشرة بين قطبي المعادلة.
جميعهم يتصور أن إثبات الإنسان يقتضي نفي الله عملا لا واعيا بما يسمى بدليل التمانع: إما الله أو الإنسان.
موقفهم تصوف سلبي يغرقهم في وحل الدنيا
وصفه لهم وصف لهذا الغرق الذي هو في الحقيقة هروب لعل ذروته هي محاولة شرعنة المخدرات إعلانا لعهد الزطلة ترجمة لحكم مافية التهريب والإرهاب
وطبعا فكل من يحاول مقاومة عهد الزطلة ومافية التهريب والتهرب والإرهاب لا يمكن أن يقبلوا به فيسقطوا عليه صفاتهم لتشويهه كما وصف اديب الحب
جوابي قد يبدو ما بعد طبيعي.
فالمعادلة الوجودية مفهوم ما بعد طبيعي: القطبان الله والإنسان خليفته وبينهما الطبيعة والتاريخ والوصل الحضاري
ما وصفه أديب الحب هو نتيجة سوء فهم لدليل التمانع وتطبيقه على القطبين: صراع بين كاريكاتورين
أحدهما يدعي الكلام باسم الإنسان
والثاني يدعي الكلام باسم الله
والوجود السوي هو حضور العلاقة المباشرة بين القطبين: فلا منزلة للإنسان من دون علاقة بما يتعالى عليه مثالا أعلى يسمو به عن وحل الفاني دون نفي
الصراع بين الاستئصال اليساري والإسلامي في دار الإسلام هو حرب أهلية بين كاريكاتورين
أولهما هو اليسار الذي يدعي الإنسوية وهو أكفر الناس بها
والثاني يدعي الألوهية وهو أكفر الناس بها.
فلو كان يؤمن بالله حقا لعلم أنه الراعي لخلقه ولم يكلفه بأن يتجاوز البقرة 256 ألا إكراه في الدين
الحرب الأهلية ناتجة عن كاريكاتورين من الحداثة والأصالة
فلا أولئك يؤمنون بالحرية ولا هؤلاء بل كلاهما يعتبر وجوده مشروطا بعدم الثاني.
هذه هدية مني لأديب الحب في التواصل الاجتماعي ولا أريد أن أسميه فهو يعرف نفسه والمتابعون يعلمون من هو وله ترجمة التعريف بالرسم على الاسم
هل لأصحاب الكاريكاتورين عذر أم هم كما يتوهم الكثير يعملون بسوء نية؟
بخلاف الكثير أعتقد أن عذرهم هو جدية تصديقهم لأنفسهم: سذاجة الغافلين.
فالحداثي يعتقد حقا أنه يمثل الحداثة وأن الصف المقابل يمثل خرافة الآخرة.
والأصالي يعتقد أنه يمثل الأصالة وأن الصف المقابل يمثل خرافة الدنيا.
كلاهما يتصور ما يمثله متحققا بنفي ما يمثله خصمه.
وإذن فكلاهما يقع في نفي التضايف بين عالمين لا يخلو منهما وعي: كلاهما ملازم للثاني
ومعنى ذلك أن كلا الكاريكاتورين هما كذلك لبترهما تكامل عالمي الإنسان السوي.
والدليل أن كل من يبترهما يضطر لبديل منهما يبحث عنه في ما أبقاه.
فآخرة الحداثي المكملة لمحبسه الدنيوي هي كل مهاربه التي تخدره ويظنها سر سعادته: هو مثل غيره يعتبر الدنيا سجنا فيفر منها إلى ملهيات إدمانه.
ودنيا الأصالي المكملة لأخراه هي كل ما يحلم به من متع في الآخرة يتعامل معها بوصفها جزاء تنكره لحظه من الدنيا فيكون جنيس خصيمه ولا يدري.
ذلك ما يترتب على التضايف بين وجهي المحل في بنية الوعي التي تمثلها المعادلة: فالمعادلة عند بترها يرتد عمل الإنسان لمتناهيين طبيعي وتاريخي
وعندما يقفز الإنسان إلى القطبين دون مراعاة الوسيطين الطبيعي والتاريخي يصبح في وعيه مقصورا على الافتراضي لأن الإنسان لا يعلم مآله الأخروي
وما تعصبه إلا لأنه يتصور مآله كما يتصوره ولا يدري أنه لا شيء يضمن له أن يكون من أهل السعادة وأن خصمه من أهل الشقاء: وذلك هو رهان الإيمان
ولا فرق حينها بين من ينفي الآخرة فينتج ما يشبهها فيها بالملاهي حتى يتحرر من محبسه الدنيوي ومن ينفي الدنيا فينتج ما يشبهها فيها بمتع دنيوية
ولو كان لكليهما شيء من الحكمة لكان رحيما بغيره وبذاته فتشكك قليلا في نفيه أحد المتضايفين واضطراره لابتداع مثيل له في وهمه أيا كان خياره
فإذا اختار الدنيا واقعا ونفى الآخرة خلق آخرة وهمية في دنياه
وإذا اختار الآخرة ونفى الدنيا خلق دنيا وهمية في أخراه
فكانا أغبى الغافلين
ذلك أن الإيمان مصحوب دائما بالشك حول المصير الغائي لأن الاعمال لا تعير بما يعيرها به صاحبها بل إن معاييرها الحقيقية تتعلق بصدقها النوعي
وصدق الأعمال النوعي الذي يعيرها بخلاف ما يقال عن السياسة هو في الاخلاق المطابقة بين العمل والعقد أو النية وذلك هو الصدق أو نفي النفاق.
وبهذا المعنى فعند الله قد يكون من يعد عند الناس كافرا أقرب إلى الإيمان ممن يعد عندهم مؤمنا لأنه هو الوحيد الذي يعلم السرائر وهي المعيار
لكن طغيان الاحتكام إلى المعايير السياسية -الأعمال بالنتائج- هو الذي يحدث هذا الهرج والمرج: الاعمال بالنتائج وبصدق النية أو العمل لوجه الله.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock