الثلاثاء 3 يونيو 2025

أيّ شعب هذا، نصفه يُكنّكتي والآخر يبحث عن ريزو

منجي باكير

نحن التونسيون كما باقي شعوب التّخلّف والتّبعيّة الأخرى، استفحلت فينا معادلة قوّة الإستهلاك مقابل صفريّة الإنتاج،،، هذا ثابت ومزمن ولا منجى منه على الأقلّ في المنظور القريب،،، لكنّ الأمر عندنا في تونس تشعّب وزادت حدّته خصوصا من بعد الثورة وانتشار البطالة بنوْعيها القسريّة والطّوعيّة.

شباب البلاد وجيل المستقبل في غفلة من الإحاطة اللاّزمة من الأبوين والتوجيه السّليم من الدولة واستهتارا بكلّ قيم الإنضباط والوقت والعمل وروح العطاء والمثابرة انخرط في مجمله في موجة إدمان للفيس بوك و-طاعون الكونّكسيون- حتّى بات الوباء عامّا لا يخلو منه بيت ولا تنجو منه عائلة، بل تعدّى ذلك إلى الكهول بإناثهم وذكورهم حتّى أنّك تكاد تجزم أنّ نصف الشّعب الكريم انتقل من الواقع إلى الإفتراضي وانفصل عن محيطه ليرتمي في متاهات ومهاترات المواقع الإجتماعيّة، وعلى رأسها طيّب / سيّء الذكر الفيس بوك..

غالبيّة عظمى من الشّعب الكريم انقلب ليلها إلى نهار ونهارها إلى ليل، انعدم التواصل الفعلي في ما بينها، تعطّلت المصالح والأعمال، هُمّشت فيه الثقافة وانحدرت مستويات الدراسة عنده وضاعت كثير من الحميميّات داخل الأسر، بل غاب كثير من الأشخاص أصلا عن دنياهم إلاّ للضرورات الشّخصيّة والذّاتيّة العابرة.

أينما حللت وأينما ذهبت وأينما أجلت بصرك، في البيوت، في المقاهي، في الحدائق، في وسائل النّقل وحتّى أمام المعاهد والكليّات لا ترى إلاّ أشباحا تتأبّط هواتف أو -تابلاتات- شاخصة أبصارها لا تلوي على شيء ولا تهتمّ بأيّ شيء غير معالجة لوحة الكتابة… أكثرها تائهة في العالم الإفتراضي تشاكس أوهاما أو تحادث أسماء مستعارة، تفضفض وتهذي في شأن وفي غير شأن، تحرّكهم العبثيّة والفرار من واقعهم الذي لا يعجب أكثرهم ولا يستجيب لطموحاتهم.

ومــا بقي من هذا العالم -المجنون- فهو يعمره عالم البورطابل وبليّة وإغراءات شركات الإتّصال التي بجشعها عمّقت الجرح وزادت، تخفيضات و -بونيسات- آخر الأسبوع وأخرى ليليّة أقضّت مضاجع شبابنا وأذهبت النّوم عن جفونه ليبيت ساهرا ثمّ يصبح غاطّا في نوم عميق فلا هو أقام ليله في نفع دنيا أو آخرة ولا هو أصلح صباحه في طلب علم أو رزق…!!

أعرف أنّ المصيبة عامّة والمُصاب (شباب الأمّة) جَلل، وأنّ التيّار جارف وجشع أباطرة المال كبير ووسخُ أجندات الهدم والإفساد على أشدّها، لكـــــن لابدّ من مقاومة هذه المصائب التي استفحلت وصارت من عاداتنا السّيئة ولابدّ من تنوير الشّباب وتعويده على حسن استعمال هذه التكنولوجيات في الصالح الخاصّ والعامّ وإدراك سلبيّات هذه العوائد المدمّرة عاجلا أو آجلا..


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

إنّ خير الهدي هَدي رسول الله

منجي باكير في أي عمر كنا وفي أي مكان كنا وفي أي وضع اجتماعي كنا،،، …

بنو اليسار الإقصائي و “التحكّم الموازي” 

منجي باكير فتّشوا في كل القطاعات ومفاصل القرار ستجدون -اليسار- متحكما بدعم من إيقونات الإتحاد …

اترك تعليق