زبانية بن علي: عُقدة ذاكرة من جريمة شرف
الحبيب بوعجيلة
في كتاب “اعترافات الزمن الخائب” للدكتور غالي شكري قرأتُ فصل “لعلهم يتذكرون” الذي ضمنه هذا الكاتب المصري سلسلة مقالاته التي نشرها في منفاه. قرأ غالي شكري موجة “المذكرات” التي نشرها رفاق “عبد الناصر” عن تجربتهم معه في الحكم ومجلس قيادة الثورة. كانت المقالات مناقشة سياسية للوقائع التي صاغها “المتذكرون” وهم يحفرون في ذاكرتهم أثناء حكم السادات مع ما يعنيه ذلك من ضغط الوضع السياسي وضغط رغباتهم في التموقع الجديد الى جانب قائد “انفتاح السداح مداح” كما سماه الصحفي أحمد بهاء الدين.
في الدول المتقدمة المستقرة ديمقراطيا تكون “مذكرات” رئيس سابق أو وزير متقاعد أو حتى مستشار أو مدير مخابرات مادة علمية يكتبها صاحب التجربة بكل تجرد وشجاعة فينظر للوقائع بمسافة كافية للنقد والمراجعة وحتى لإدانة الذات وتحديد المسؤولية الشخصية أو للافتخار بالفعل الشخصي فتتحول المذكرات عند المؤرخين والمحللين وسيلة لإعادة ترتيب الأحداث وتركيب الصورة على حقيقتها بما يفيد الفاعلين السياسيين المستقبليين.
وأنا أتابع “مذكرات” رجال بن علي أو “سرديات” اعلامييه وجلاديه وأعوانه وآخرها ما رشح من كتاب الحبيب عمار “سعي جندي بين الواجب والأمل” سألتُ نفسي: لو كُتب لي أن انجز سلسلة مقالات حول “ذاكرة” زبانية بن علي “هل أستطيع أن أجد مادة للتحليل السياسي كما وجد غالي شكري أم أنني سأجد نفسي مضطرا لممارسة تحليل “بسيكوسياسي” لنفسية أعوان بن علي وهم يكتشفون أنهم لم يكونوا “فاعلين” في تجربة سياسية بقدر ما كانوا زبانية في “جريمة شرف”؟
زبانية المنظومة النوفمبرية من ساسة واعلاميين و”مثقفين” و”فنانين” لم يكونوا أكثر من “أزلام” بما تحويه الكلمة من معاني “الوسيلة” في منظومة حكم فردي عائلي مافيوزي لم تمارس “السياسة” بقدر ما مارست “البلطجة” من “قتل” و”ترافيك” و”عمالة أجنبية”.
لم يسمح بن علي لأعوانه بشراكة في “فعل سياسي” بقدر ما استخرج منهم أبشع ما فيهم من “قرينتة” (طاقة) “الانفساخ” و”التنفيذ”.
كان على “الأمني” فقط ممارسة أبشع ما في الانسان من حيوانية القهر والاغتصاب والملاحقة وعلى “السياسي” من الوزير الى رئيس الشعبة ان يكون فقط “كاتب تقارير”. أما الإعلامي و”الأكاديمي” فلا ينتظر منه الديكتاتور إلا “البروباغاندا” وهتك الأعراض وتزييف المعنى. لن تكون لهم مذكرات “سياسية” بل سرديات كائنات متصدعة.
سألني أحد الأصدقاء: كيف تفهم حجم القبح الذي يبديه أزلام متوترون من بعض اعلاميين وسياسيين تجاه “الثورة” ورموزها ؟ وذكر لي بوغلاب والعماري وبن عثمان والملولي وعبير الموسي مثلا كنماذح لأكثر الازلام قباحة.
قلتُ: لاحظ أنهم حتى لا يدافعون على مرحلة بن علي فهم يعلمون أنهم لم يمارسوا معه تجربة سياسية حول مشروع اذ يدركون أن تجربتهم معه هي تجربة “بغاء على رصيف رخيص”. ليس في تاريخهم ما يقيمونه من أخطاء أو انجازات مثل “رجال” في “تجربة سياسية” بل تاريخ “عُهر تنفيذي” في “شبكة مفسدين” لذلك يهربون من ذاكرتهم الموجوعة مع القديم بترذيل “الجديد” و”كلنا أبالسة”. انهم مثل مومس تريد العثور على بنت صديقتها الشريفة في سوق البغاء لتقول: “لستُ وحدي”.
لا يكتب مذكرات سياسية إلا “رجال” سياسة.