ضرورة إعادة معادلة الشّهائد الجامعيّة لبقايا الثّقفوت
إنّ كثيرا من الشّهائد العلميّة والتحصيليّة التي يحملها معظم مجاميع الثّقفوت المتحكّم في مفاصل الثقافة والإعلام والتعليم في بلادنا هي محلّ كثير من الشّكوك والرّيبة على الأقلّ بمرجعيّة التاريخ الإجتماعي واستقراء حال التعليم وما شابَه من تردّي ومحسوبيّة وغياب للتقييمات العلميّة طيلة العقود الفارطة…
ليس من الخفيّ ولا من الجديد أن يُذكر أنّ تلك العقود خصوصا الأخيرة كانت تشكو تصحّرا فكريا وانعداما لكل أسباب الثقافة الفعليّة إضافة إلى برامج تعليميّة (تجريبيّة) فاشلة وسياسة ممنهجة لإفراغ التعليم من محتواه واختطافه عن رسالته السّامية وبالتالي خلق أجيال فارغة العقل تفتقر إلى أدنى متطلّبات العلوم والمعارف المؤهّلة لشغل أيّ وظيفة، أضف إلى ذلك تفشّي المحسوبيّة وظاهرة التعليم الموازي وبعث المؤسسات التعليميّة الإستثماريّة التي يديرها غالبا المتمكّنون من أهل التعليم والمتنفّذين ممّن والاهم واستحلّ الثقافة والتعليم ليوظّفها في بورصة المال والأعمال.
كما أنّ السّاحة الثقافيّة والإعلاميّة والتعليميّة تقريبا كانت -ولا زالت- حكرا و (توريثا) بيولوجيّا وإيديولوجيّا فقط لجماعات اليسار الإستئصالي ومجموعات الفرنكوفونيين والتغريبيين الذين سعوا بكل ما لديهم من سلطة أدبيّة ومادّية على تصفية وإقصاء كلّ من خالفهم وترصّده في كل مراحل التكوين والرسكلة والبحوثات وخصوصا في فرص التقييمات والإمتحانات والشّهائد التي كانت في أكثرها وبالأخصّ ذات الرّتب العالية تمرّ عبر بوّابات المحسوبيّة والتدخّلات والولاءات.
هذا الوضع وأكثر خلّف عدم مصداقيّة في أكثر الشهائد المعطاة وغيّب عناصر الكفاءة والقدرة والأهلية العلميّة، ممّا أغرق -سوق الشغل- بكمّ من الإطارات والجامعيين لا يفقهون شيئا في مِهنهم وغير قادرين على -ملء أمكنتهم- ولا على تقديم إضافة تذكر. ومن هؤلاء النّسيج -المهتريء- نجد عصابات الثقفوت وعناوين الإغواء والتغريب التي تؤثّث اليوم للشذوذات الفكريّة والجسديّة والتي تتطاول على المقدّسات وتقول في الهويّة والدين والأخلاق والموروثات الإجتماعيّة بلا هدْي ولا علم، فقط هي تنفث شطحات مجتثة وبالية وتتمارى في استعراض مفاهيم نقضَها العلم والعلماء وأثبت بُطلانها غير أنّه لم يبلغهم ذلك ولم يحيّنوا أدمغتهم وعقولهم على وقع التحديثات والثورات العلميّة والأدبيّة الجديدة لتبقى هذه العناوين الكبيرة -في شهائدها- والخاوية في واقعها المعرفي تتشدّق سرّا وعلانيّة بما رسب في وعيهم من بقايا الدفاتر والكتب القديمة.
إنّ أيّ جهد وطنيّ يريد أن يتقدّم بالبلاد والعباد، ويسعى إلى رأب الصّدع الحاصل في أكبر مقوّمات أيّ أمّة وأيّ شعب، مقوّما الثقافة والتعليم ورافد الإعلام لابدّ أن يضع النقاط على حروفها ويبادر بطرح وتنفيذ حزمة من الإصلاحات الجوهريّة لعلّ أوّلها مراجعة كفاءة القائمين على رأس هذه المقوّمات وإعادة تقييم السّاهرين على التعليم وبرامجه وتوجّهاته وتجديد طواقم أساسات التعليم ومنابع المعرفة ثم يوكلها إلى أهلها من ذوي الإختصاص ممّن ثبتت عندهم الكفاء والمقدرة والأهليّة حقّا،،، هـــــذا إذا أردنا التقدّم لهذا الشعب الكريم ولهذه الأرض الطيّبة..!