ظاهرة الإسلاموفوبيا واستهدافها للجاليات المسلمة في المجتمعات الغربية
ليلى الهيشري
تعيش الجاليات العربية المهاجرة في دول الغرب موجة من الاضطهاد، اعتقدنا في بادئ الأمر أنها مجرد ردة فعل عفوية رافضة لمظاهر العنف والدموية التي تسببت فيها بعض العناصر الإرهابية المنسوبة للتنظيمات الإسلامية المتطرفة على غرار داعش والقاعدة، وأنها مجرد فترة حرجة نتجت عن صدمة أسست لخلق تصور سلبي لمبادئ الإسلام بعد تكرر الاعتداءات الإرهابية في المدن الأوروبية كباريس، نيس وبرلين.
ولم يكن بالأمر الهين التوصل إلى قناعة تؤكد تعمد عناصر مجتمعية غربية استغلال ظاهرة الخوف من الإسلام أو ما يعرف بالاسلاموفوبيا لإعلان حملات ممنهجة ضد التواجد العربي والإسلامي خاصة في الأوساط الغربية.
كان من الطبيعي في ظل تزايد التهديدات الإرهابية في الدول الأوروبية من طرف عناصر إرهابية ذات أصول عربية، أن يسطع نجم الأحزاب اليمينية المتطرفة لتفرض تصوراتها السياسية والاجتماعية وتشريعاتها التي تستهدف المسلمين المتواجدين على أراضيها. ولقد نجحت في الضغط على الحكومات الغربية لتمرير قوانين متشددة خاصة فيما يخص اللاجئين والمهاجرين المسلمين، على غرار ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
ويعتبر هذا التوجه السياسي، اختيارا إقليميا رفضته دولة كندا وكان ذلك بمثابة الخطأ الفادح الذي كلفها عملية إرهابية استهدفت مباشرة المركز الثقافي الإسلامي بالكيبيك عبر قيام مسلح بإطلاق الرصاص على مجموعة من المصلين وهم بصدد أداء صلاة العشاء، ولقد أسفرت هذه العملية الغادرة عن استشهاد 6 أشخاص وجرح أكثر من 8 أخرين.
كانت هذه العملية بمثابة تحد رافض لإعلان رئيس وزراء كندا دعم بلاده لأفواج اللاجئين القادمين من بؤر التوتر باعتبارها سياسة كندية أثبتت نجاعتها في بناء المجتمع الكندي الذي يعتمد على الدور الجوهري للمهاجرين في بناء النسيج المجتمعي منذ عقود مضت.
يعتبر ترودو من السياسيين الذين يتمتعون بقدرة على تحليل خصوصية المجتمع الكندي ذات التنوعات العرقية والحضارية والعقائدية خاصة، حيث عبر منذ توليه منصبه كرئيس وزراء، عن اهتمامه بشؤون الجالية العربية والإسلامية، مقتنع تماما بقدرتها على اكتساب قوة سياسية لا يستهان بها في صناديق الاقتراع، ومن الضروري حسب قوله مراعاة أهمية التجذر الإسلامي في أوساط الجاليات المسلمة، وفي احترام هذا الدين ككل الأديان الأخرى، يتم تحقيق الاستقرار الاجتماعي المنبثق من مبادئ التسامح الذي يؤدي ضرورة إلى تطور المجتمع الكندي ذا الألوان العرقية والعقائدية المتنوعة.
وهو ما يدحض فرضية اعتبار العملية الإرهابية وليدة الصدفة أو بادرة منفردة من شخص عرف باعتناقه للإيديولوجيا القومية المتطرفة، بل هي نتيجة حتمية لرفض كندا تبني السياسة المتشددة للدول الغربية الأخرى في تعاطيها مع ملف اللاجئين والمهاجرين العرب، وقد يكون الاعتداء على مصلين في مكان عبادتهم وفي قراءة موازية لهذه الأحداث، بمثابة رد لأحداث برلين حيث عمد عربي مسلم بالاعتداء على مسيحيين وهم يتجولون في سوق الميلاد.
وبذلك يمكن القول أن هناك متآمرون يقودون حربا إعلامية وسياسية أسست لبداية اعتداءات دموية، عبر قيامهم بتغذية ظاهرة الاسلاموفوبيا في الأوساط الاجتماعية الغربية المتخوفة من “الإرهاب الإسلامي” كما يدعون، لذلك التعرف عن هويتهم.
عرفت الأحزاب المتطرفة المعادية للإسلام في دول أوروبا الغربية بتلقيها دعما واسعا من قبل بعض مكونات المجتمع المدني لإقناع الناخبين في هذه الفترة الأخيرة بضرورة التصدي للمد الإسلامي والحد من تنامي نفوذه الديمغرافي والسياسي، ولقد شهدت المجتمعات الأوروبية نشأة جمعيات متطرفة على غرار “رابطة الدفاع الإنقليزية” حيث نظمت في مدينة برمنغهام، لندن ومانشستر العديد من التظاهرات ضد ما يعرف “بالأصولية والإرهاب الإسلامي”، وقد شارك في هذه التظاهرات العديد من ممثلي الحزب الوطني البريطاني، وهو حزب اليمين المتطرف في بريطانيا المشابه لحزب الجبهة الشعبية الفرنسي لمؤسسه جون ماري لوبان.
لكن رغم أهمية تأثير الأيديولوجية المناهضة للإسلام لم تتمكن هذه الأحزاب المتطرفة الأوروبية، من الوصول إلى منصب الرئاسة أمام تصدي منافسيها السياسيين المعتدلين لكل محاولاتها. ولكن يختلف الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تمكنت التيارات اليمينية المتطرفة والمتدينة من تنظيم الصفوف واكتساب خبرة سياسية مكنتها من الانضواء تحت لواء الحزب الجمهوري الأمريكي، بل ساهمت ظاهرة الاسلاموفوبيا في الولايات المتحدة من التصويت لفائدة مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب الذي تم تنصيبه رئيسا للدولة الفيدرالية الأمريكية.
ومنذ توليه منصبه الجديد قام ترامب بوضع سياسية متشددة ضد اللاجئين والمهاجرين المسلمين عبر إصدار مرسوم يعلق استقبال اللاجئين في الولايات المتحدة لمدة 120 يوما، ويفرض حظرا على دخول المهاجرين من سوريا لفترة زمنية غير محددة، ويمنع دخول مواطني 7 دول مسلمة، وهي إيران وسوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان واليمن، إلى الولايات المتحدة لمدة محددة، مما تسبب في إثارة موجة إعلامية رافضة لهذا القرار، أجبرت الوزيرة المكلفة بشؤون الهجرة على رفض تنفيذ القرار المذكور مما اضطر الرئيس ترامب لإقالتها من منصبها.
وفي كل تلك الأحداث الصعبة التي تستهدف الجاليات المسلمة المهاجرة، تحولت الاعتداءات من مجرد مضايقات كلامية وسلوكية في الأماكن العامة إلى اعتداءات دموية، حيث مثلت العملية الإرهابية ضد المركز الثقافي الإسلامي الكندي شهادة حية على خطورة المتغيرات المذكورة، والتي كلفت الدولة التونسية شهيدا جديدا، بوبكر الثابتي، ضحية الحقد الإيديولوجي المتصاعد ضد الإسلام، استشهد وهو يؤدي صلاته في رحاب بيت من بيوت الله الآمنة والمحرمة.
لقد اثبت التاريخ منذ عهود مقاومة الاستعمار تآزر تونس والجزائر في كل المحن وها هي أحداث الكيبيك تعيدنا لأحداث ساقية سيدي يوسف سنة 1958، عندما زفت الدولتين شهداء استماتوا في الدفاع عن المناطق الحدودية الجزائرية التونسية رافضين منطق التفرقة بين شقيقتين جمعتهما مشتركات عدة كالحضارة والأصول العرقية والنضال، واليوم تقدمان معا وبكل فخر شهداء لنصرة دين محمد صلى الله عليه وسلم.
رحم الله شهداء أحداث المركز الثقافي الإسلامي بالكبيبك ونعزي أنفسنا في شهيدنا الثابتي وشهيدي الجزائر الشقيقة عبد الكريم حسان وخالد بلقاسمي. فهم أحياء في قلوبنا وفخر لأمتنا.