صناديق الإقتراع و…السلاح
بحري العرفاوي
تنويه: “البوليس” في الوعي الباطن للمواطن ليس هو رجل الأمن مدنيا كان او بزيه إنما “البوليس” هو الشبح الخفي مصدر الأذى النفسي والبدني وهو مصدر الخوف والعسل.
قبل تصويت البرلمان على القانون الانتخابي تشهد الساحة السياسية والإعلامية والشعبية عموما جدلا حول جدوى مشاركة القوى الحاملة للسلاح في عمليات التصويت وإن كان تشريكها خادما للديمقراطية أم مهددا لها.
ـ المدافعون عن تشريك القوى الحاملة للسلاح في عمليات التصويت في الانتخابات القادمة يبررون موقفهم بكون تلك القوى إنما هي من أبناء الشعب وعناصر الأمن هم معنيون مباشرة في معاشهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم وبناتهم ومستقبل وطنهم بمن يحكم البلاد.
ـ المعترضون لا يُخفون تخوفهم من كون تشريك القوى الحاملة للسلاح في ظل بيئة سياسية غير ناضجة قد يُغري تلك القوى بالتدخل في إرادة الناس وبالتأثر بجهة حزبية أو إيديولوجية يفقدون معها حياديتهم فيصبح الأمنيون طرفا في خصومات سياسية تشغلهم عن مهامهم الوطنية المقدسة: حماية الوطن والمواطنين.
للفريقين ما يبرر موقفيهما لولا أن ظروف التعليل والتبرير مختلفة فنكون بحاجة إلى عرض تلك المواقف على طبيعة المرحلة وتعقيداتها لنستنتج مدى صوابيتها أو قصورها.
ـ التونسيون في الغالب لا ينظرون للثورة إلا في جانبها الأمني وما تحقق إليهم من حرية بعد ما عانوه من قمع وتضييق وإسكات وقد مثلت القوى الحاملة للسلاح تلك أداة النظام في ممارسة ذلك القمع ولا يعني المواطن إن كان الأمني مأمورا أم كان مجتهدا في ممارساته القهرية.
ما يفخر به التونسيون اليوم -رغم غياب التنمية- بعد ستة أعوام هو منسوب الحرية، ولا يخفى أن الصراع الحاضر في وجدان التونسيين إنما هو صراع بين الحرية والبوليس.
ومفردة “بوليس” في الوعي العام تحيل إلى كل الممارسات السيئة المناهضة للحقوق والحريات والكرامة والإبداع والأمان… وأكبر منجز للثورة اليوم في عيون المواطنين ووعيهم هو إعادة الإعتبار للمواطن وتجريد البوليس من “سلطته التقديرية” التي تعبر غالبا عن نوازعه الذاتية وعقده النفسية فيمارس العنف بأشكاله ضد المتهمين والمشتبهين والأبرياء على السواء.
تلك الصورة السيئة عن “البوليس” لم يتخلص منها التونسيون لحد اليوم بل إنهم مازالوا يستعملون مفردة بوليس ضد أي شخص يريدون اتهامه بكونه قوادا وجاسوسا وغادرا بأصحابه وهي صورة سيحتاج الناسُ عقودا حتى يتحرروا منها أو حتى تساعدهم الممارسات الجديدة للأمنيين من التحرر منها حين يصبح عون الأمن صديقا للمواطن يطمئن إليه ويجد معه الأمان والأنس ويشترك معه في خدمة البلاد والعباد ولا يتوجس منه ولا يرى فيه قوة بطش وأذى وتهديد للكرامة والحرية والسلامة البدنية.
سنحتاج عقودا كي يتعافى ضحايا تجاوزات البوليس من خدوشهم النفسية وكدماتهم العصبية ومن الرهاب الذي لازمهم عقودا من شخص البوليس.
كما سنحتاج عقودا من الوعي والتدريب الذهني كي يتحرر الأمنيون من النظرة التقليدية لأنفسهم وكي تتحرر النقابات الأمنية من الخطاب الإيديولوجي وكي يتخفف الجهاز الأمني من العناصر الفاسدة التي لا يمكن الإطمئنان إلى كونها ليست ذات مطامع في السلطة كشريك رئيسي وهي تعتقد أنها ذات فضل كبير على البلاد والعباد “بعد أن خاضت معركتها ضد الإرهاب وقدمت تضحيات”.
أعتقد أن الديمقراطية بما هي دربة على الممارسة الحرة وعلى احترام المختلفين وربما دُربة على التعايش والتشارك والتوافق ستكون مهددة إلى حد كبير إذا ما أقحم فيها “عنوانٌ” ليس من منتجيها ولا من مُنتجاتها أعني “البوليس” وأعني تحديدا في هذا الظرف الذي تحتاج فيه الديمقراطية كل عوامل “الطمأنة” ولا أظن أن الموجوعين والمرتعبين من تاريخ “البوليس” سيطمئنون إلى ديمقراطية سيرفس فيها حذاء البوليس الذي مازالت التقارير تؤكد كونه لم يغادر منطقة التوحش بمقدار يُطمئن التونسيين.