القوات الحاملة للسلاح : هل يمكن ان نمنعهم من “حق المواطنة” !؟
القاضي أحمد الرحموني
رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
تذكرت بمناسبة الجدل الدائر بمجلس نواب الشعب حول مشاركة القوات الحاملة للسلاح في الانتخابات البلدية واقعة حصلت لي -رغم اني لم اكن متسببا فيها- يوم انتخاب المجلس الوطني التاسيسي في اكتوبر 2011.
وتتمثل الواقعة في انني توجهت -بناء على ترسيمي بقائمة الناخبين وتمكيني من بطاقة الانتخاب- الى مركز الانتخاب المعين لي بمدرسة ابتدائية قريبة لي بمدينة باردو وانتظرت كغيري في احد الصفوف الطويلة امام مكتب الانتخاب الى حين اتمام عملية الانتخاب على اتم ما يرام.
ولم يدر بخاطري -في صباح ذلك اليوم- ان مشاركتي بصفة طبيعية في اول انتخابات “ديمقراطية” بعد الثورة مع آلاف (بل ملايين) آخرين ستكون مثار جدل بعد ساعات بقناة “نسمة” التلفزيونية (وقد كنت وقتذاك رئيس جمعية القضاة التونسيين)!.
وقد ثار ذلك الجدل في احد البرامج المباشرة المخصصة للتعليق على وقائع الانتخابات وقد دهشت حقيقة عندما سمعت احد الضيوف ممن اعرفهم -وهو الاستاذ منجي الغريبي المحامي- يذكر اسمي ويروي للمتفرجين انه شاهدني صباحا بباردو وانا بصدد الانتظار للتصويت في انتخابات المجلس رغم ان ذلك مخالف للقانون على اعتبار “ان القضاة ليس لهم حق الانتخاب” !.
ورغم انني كنت معنيا بصفة مباشرة بذلك الامر فلم احاول الاتصال بالقناة لدفع تلك “التهمة” او تبرير مشاركتي! بل بقيت “واجما” لاني لم اكن اعتقد ان احدا يمكن ان يسلبني الحق في الانتخاب بهذه السهولة وان احد المحامين -ممن قضى عقودا في مهنته مرافقا للقضاة- يمكن ان يسهى عن ان هؤلاء لم ينقطعوا -في اي وقت- عن ممارسة حق الانتخاب -سواء في الانتخابات الرئاسية او التشريعية او البلدية- وان القانون كان ولازال يقر لهم ذلك الحق وان عمل نفس القانون -منذ الاستقلال- على حرمانهم من حق الترشح للمناصب السياسية (وهي من الموانع التي اندثرت في البلدان الديمقراطية) !.
وحتى لا انسى اشير الى ان مقدم ذلك البرنامج لم يرد في الحين على تصريحات الاستاذ الغريبي واقتضى الامر مرور مدة من الوقت لتصحيح ذلك بعد تدخل احد المتابعين عبرالهاتف.
وحتى لا اثقل عليكم اردت ان انقل لكم مع هذه “الرواية” ان تلك الواقعة قد رسخت لدي اعتقادا اساسيا وهو ان البشر (وبالاحرى القانون الذي يكتبونه) لا يمكن لهم حرمان غيرهم من ممارسة احد الحقوق الجوهرية للمواطنة كحق الانتخاب او تقييده الا في حدود ما تستوجبه الاستثناءات المؤقتة ذات الطبيعة العقابية !.
ولذلك طالما وجدت ان الوضعية لاتبدو طبيعية -في عائلتنا على الاقل- عندما يتوجه جميع افرادها الى المكاتب القريبة للانتخاب (القضاة – المعلمون – الاساتذة – المهندسون – المحامون – الممرضون – العملة..الخ) ويبقى اخي الاكبر (ح) ينتظرهم لا لشيئ الا انه انتمى الى الجيش الوطني -بعد دراسة جامعية عليا- وتخرج برتبة ضابط ثم تدرج الى خطة ضابط سام !.
فهل يمكن ان يعطينا القانون -مهما كانت قوته- حق الانتخاب نيابة عنه واتخاذ القرارات في مصيره!؟.
ولهذا السبب لا اجد نفسي منجذبا الى خطابات “المنع” و”الحرمان” و”التخويف” التي تدعو الى استثناء الامنيين والعسكريين (وكل القوات الحاملة للسلاح) من حق المواطنة الذي يجسمه حق الانتخاب لان ذلك يتنافى اولا مع “الحقوق الطبيعية” (التي رسختها قيم الثورة) وثانيا لانه يجرح “احاسيس” مواطنينا من الامنيين والعسكريين “النزهاء”! وثالثا لانه يتعارض مع الدستور الذي دفعنا من اجله النفيس !.