المعارضة الوطنية و”ظاهرة المزروب العلقمي”
الحبيب بوعجيلة
يجب ان لا نختفي وراء اصبعنا كما يقول اخواننا اللبنانيون وعلينا ان نسلم بان الاستقطابات الايديولوجية بين “الاسلاميين” و”العلمانيين” قد اربكت وضوح الانتقال الديمقراطي وانسيابه المطلوب بعد فرار راس منظومة الاستبداد والفساد.
لاشك ان التوجس المتبادل قد منع الطبقة السياسية الجديدة في تونس من التوحيد الضروري للجهود بعد ثورة عصفت بالاستقرار الاستبدادي للتمكن الجماعي من تفكيك التسلط وتصفية الفساد واعداد المشروع الوطني المشترك لتنمية اقتصادية وحكم تشاركي يحقق اهداف الناس في المعاش والامن والتعليم والثقافة والبيئة السليمة اي في سياسة تخدمهم بعيدا عن هواجس النخب واشكالياتهم المترفة.
على امتداد السنوات الاولى للثورة كان هذا الاستقطاب المزيف رغم مبرراته معطلا للمسار فكره الناس السياسة وكفروا بالثورة وحن بعضهم الى ماض مخادع لم يكن في كل الحالات اجمل من حاضر صاخب لكن للانفعالات الشعبية احكام يجب على السياسيين اخذها بالاعتبار.
اخطاء الترويكا والنهضة على راسها لم تكن افدح ولا اقل من اخطاء خصومها في جبهة “الانقاذ” وزادت مؤامرات الارهاب وزلازل الاقليم في المنطقة واجندات القوى الخارجية في تحويل الثورات احيانا من هدية تاريخية ربانية لامة خارج حساب الكون الى كارثة مخيفة يتفنن انصار المضادة في جلدها حتى خشي الجميع من الارتداد لا الى استبداد النظم بل الى دمار الاحتراب الاهلي.
رغم غضبنا من مجريات الاحداث في تونس تبقى “التسويات” التي تمت بين الاسلاميين ونداء القديمة المرسكلة اقل السيناريوهات سوء واسلمها فقد كان البديل دما ودموعا لا يتحملها شعب مسكين ولا يقدر على حسمها قوى سياسية تتوازن في الضعف.
الغاضبون المعارضون لهذه “التسوية” نوعان… فريق معارضة وطنية تضغط بحساب على فريق التسوية لترتفع سقوفه الى مستوى الدستور واحترامه والى مستوى تحسين الاداء من اجل البلاد لا من اجل الاحزاب والى مستوى حسن اختيار الشركاء والكفاءات بشكل يخفض من استفادة الفاسدين وبقايا المستبدين من هذه “الصفقة الضرورية” ولنقل ان هذا الفريق المعارض يبقى محكوما بسقوف التحوط الضروري لحماية المسار من الانهيار او من الميل كل الميل لصالح “القديمة”.
في مقابل ذلك تتبلور معارضة تخريبية ليست معنية الا باستعادة استقطابات بشعة تسمح نهائيا بصفقة موجعة للبلاد والشعب والثورة يصبح فيه القديم بابشع من فيه حليفا لجديد يشبهه في الفساد وثقافة الاستبداد وتستعاد فيه دولة كليانية معادية لمجتمع متنوع ومنتهجة لاستئصالية ناعمة لكل من يخالفها.
اذا كان لابد من اختزال هذه المعارضة الفاشية الهدامة في اسم فلن يكون الا محسن مزروب ومشروعه واستراتيجيته وليس في ذلك ظلم لهذا الكائن فكل سيرته اثبات لموقفنا منه حاضرا وماضيا.
هذا “الدابة السياسية” منذ تحويله الى احدى الادوات الرئيسية في ترتيب المشهد بعد الثورة ابدع فيى”مهاراته” في “الانتقال الديمقراطي” التي اكتسبها من مدارس الانقلاب السياسي الناعم و”تلوين الثورات” على شاكلة الثورات الملونة.
كان دوره في هيئة بن عاشور بارزا في تخفيض السقوف الوطنية لثورة الحرية والكرامة وكان اداؤه بتوجيه من اسياده بارعا في الذهاب بالبلاد الى حافة الاحتراب اثناء صراع الترويكا وجبهة الانقاذ وقد طبق جيدا اوامر مراكز الاستشارات الدولية في ادارة الحملة الانتخابية.
بعد ان تلهوث لسانه جيدا في غزل حرير “التوافق” بين النداء والنهضة اثر الانتخابات الاخيرة كان لابد ان ينتهي دوره حتى لا يتضخم اناه من وسيلة واداة الى توهم الزعامة فاطرده العجوز خارج قرطاج وهاهو الان يمعن في تلغيم مشهد سياسي مهزوز بطبعه اذ يعيدنا الى لعبة ممجوجة ومربع استنزاف “ايديولوجي” مزعوم يريد ايهامنا فيه انه راس معارضة “حداثية” في مواجهة “نهضة رجعية” يعرف اصغر مطلع على مطابخ السياسة في تونس ان “مزروب” لم يكف عن الحج الى شيخها وقياداتها من اصدقائه في “الانتقال الديمقراطي” بخبرة “العكري” استاذه المشترك مع اصدقائه “الاسلاميين المدمقرطين”.
حساسية وضعنا الانتقالي لا تجعلنا ميالين الى التبخيس من خطورة هذا “النوع السياسي” الذي يمثله الموازي رغم انه يحاول بناء هالة كاهن حول ذاته تجعل نقده كفرا واستهدافا لشخصه ممثلا للحداثة والوطنية في مواجهة من يخاصمونه بوصمهم بالارهاب وخدمة النهضة وهو اسلوب ممجوج لا يمنعنا من القول انه ظاهرة سياسية تحتاج الى اثبات جدارتها بالشراكة في صنع مستقبلنا الوطني على قاعدة استقلال قرارنا الوطني وشفافية مال وافكار كل “مشروع” يريد ان يكون جزء من مشهد سياسي نريده تونسيا بريئا من كل اجندات الاختراق مهما كان نوعها.