الإثنين 16 يونيو 2025

المنصف المرزوقي : الرئيس المثقّف الذي عجز عن تثقيف السّياسة

منجي باكير

الدكتور المنصف المرزوقي كان طيلة ما يناهز الثلاثة عقود من الزّمن رجلا أكاديميّا، حقوقيّا وناشطا سياسيّا عنيدا في سبيل ما آمن به من فكر حاول جاهدا بلورته من فسيفساء جبلّته الفطريّة وتكوينه الأكاديمي وانفتاحه مطالعة ومعاينة لبعض الثقافات الأخرى، هذه حقيقة لا يماري فيها إلاّ جاهل أو منكر، ربّما كما سار الحظ مع نخب وشخصيّات سياسيّة أخرى سار معه، لكنّه بلا حسابات ولا آمال معلّقة مسبقا سكن الرّجل قصر قرطاج واعتلى سدّة الحكم ليكون أوّل رئيس منتخب للشعب التونسي، غير أنّ ما حاز عليه الرئيس من صلاحيّات ضعيفة ومقنّنة جعله مكتفيا بالتغريد بما حمل من مباديء وفكر إصلاحي داخل أروقة قصر قرطاج دون القدرة على إسقاط ذلك على الواقع الفعلي.

برغم أنّ الرّجل لم يفلت فرصة إلاّ وعاود مخاطبة العقول وعمِل على استقطاب أهل الرأي والمشورة إلى جوهر ما يعتقد وليبيّنّ أنّ بعضا من الخلاص يكمن في ما أفنى كثيرا من العمر في جمعه، غير أنّ رئيسنا الذي أغفل أو أسقط من حساباته أنّ هناك فرق واضح بين التنظير ومحكّ الواقع السّياسي خصوصا في عصرنا الحاضر، سياسة اتّسمت بكل أنواع الخداع والمزايدات وخلق مراكز القوى والتحالفات مهما كانت اتّجاهاتها ونواياها واعتماد (ثنائيّة) نصْرة المال ولو كان فاسدا وبروباجندا الإعلام ولو كان جاهلا، تدير هذا كلّه عصابات ومنظّمات ودول وأشخاص تجرّدوا من كثير من القيم التي ركّز عليها الرّئيس وأعطاها الإهتمام الكبير، سياسة لا تعترف بالمعقول ولا بالأخلاق ولا بالمباديء ولا بالدّين ولا بالوطنيّة ولا بخدمة عموم الشّعب مجانا…!

إذا الدكتور المنصف المرزوقي خاب حظّه في انعدام الصلاحيّات لديه حتّى يبدأ معمعة التحرير والتنوير وتقديم البديل الذي آمن به في مجال الإصلاح والبناء، أيضا لم يكن له نصيب في آليّات التنفيذ التي تحتكرها سواء السياسة الدّاخليّة أو السياسة الإقليميّة أو السياسة العالميّة باعتبار أنّ الدّول أصبحت صفحات مفتوحة لكلّ التداخلات والتدخّلات بلا أذونات..

كما أنّ ما يُعاب على فكر الرّجل أنّه زاده السياسي ظلّ فكرا نُخبويّا لم يبادر صاحبه إلى ترجمته بلغة الشّعب حتّى يطرق باب العمق الشّعبي ويحوز على قاعدة شعبيّة تفهمه لتؤمن به وتؤازره…

هكذا هو المنصف المرزوقي يبقى الطّلسم المغمور والذي قد يحمل في طيّاته كثيرا ممّا تستحقّه تونس وشعب تونس من أسباب النّهضة في هذه المرحلة بالذّات لكن أحكام السّياسة وضرورة الأمر الواقع وأشياء أخرى تبقى حائلا لفهم فكر الرّئيس وسبر تجربته واقعا في بلد ليس أقلّ من أندونيسيا أو من ماثلها…

ليبقى الدكتور المنصف المرزوقي هو الرّئيس المثقّف الذي عجز عن تثقيف يكسر -الحاجز- الذي يفصله عن مواطنيه مع ضرورة أن السّياسة في انتظار احتياجه لحاشية / صْطاف ْ يجيد اللعبة السياسيّة و (يلتزم) هو بالعمل معها.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

إنّ خير الهدي هَدي رسول الله

منجي باكير في أي عمر كنا وفي أي مكان كنا وفي أي وضع اجتماعي كنا،،، …

بنو اليسار الإقصائي و “التحكّم الموازي” 

منجي باكير فتّشوا في كل القطاعات ومفاصل القرار ستجدون -اليسار- متحكما بدعم من إيقونات الإتحاد …

اترك تعليق