ابن بطوطة في بلاد “الإقلاع”
أحمد الغيلوفي
قال ابن بطوطة: عندما كنت بالشام وهممت بالعودة الي طنجة كرهت ان اعود الي المغرب دون ان ارى ابا العلاء، فذهبت الي معرة النعمان. فوجدت ابا العلاء قد كبُر واسنّ، وقال لي “يا ابن عبد الله حين تحلُّ بارض افريقية عُج على مدينة قفصة وبلّغ سلامي لابن منظور، واسأله عن ديواني “اللزوميات”، فانه قد بلغني انه يُؤاخذني على بعض المسائل، ثم اكتب لنا عمّا تراه هناك، فان افريقية ارض فكر وغرائب. قال ابن عبد الله: لما استخرتُ بالله وقصدتُ المغرب الاقصى، وصلتُ الي مدينة يقال لها بن قردان، فهممتُ بان أُصلّي الظُّهر فسألتُ رجلا منهم “يا اخا العرب، كم السّاعةُ عندكم، اريد ان اصلّي”، فقال لي “بالتقويم الافرنجي ام بالتقويم السبساوي؟”، فتعجّبتُ، فاردف “انت الآن في سنة 2021 يا اخا طنجة”، فقلتُ “وعندما اصلُ الي الجزائر؟” فاجاب “تعود لسنة 2017 باذن الله”، فقلتُ في نفسي “صدق شيخ المعرة، هذه بلاد الغرائب”. ولمّا قصدتُ قفصة مررتُ بمدينة يقال لها “قابس” وجدت اهلها يجتهدون في قلع اشجار النخيل والرمان ويغرسون مكانها “الزّنباع” ويزرعون “الدّلاّع”، فسألت فتى منهم عن سرّ ذلك فقال لي “انها سنة الإقلاع”، فلم يزدني الامر الاّ غموضا، وقلت في نفسي “لاسألنّ ابا الفضل عن كل هذا حال وصولي”. ثم مررتُ ببلدة تُسمّى “القطار”، بها بدو قد نفقت كل مواشيهم فهم لا يقتاتون الاّ على لحم “الجربوع”، فسالتهم عن امرهم فقالوا “لقد خرجنا من مرحلة “الكُوع” ودخلنا مرحلة “البوع” ولم يبق لنا غير الجربوع”، فلم ازدد الاّ حيرة.
ثم لم البث ان وصلتُ الي مشارف قفصة حتى قبض عليّ صاحب الشرطة وقال لي “سوف ينزلُ بنا اليوم حاكمُ الايالة وهو رجل يحب الادب والادباء وسوف نقدمك له لتُسلّيته”، فقلت له “انا رجل علم ولستُ بمهرّج ولكن لا حيلة لي”. وضعوني في دار الوالي وجاؤوني بابن منظور فهدّأ من روعي فحسُن مزاجي، ثم جاءت اواني الكسكسي بالمسلان واللبن وقوارير خضراء نصحني صاحبي بالابتعاد عنها. ثم لم نلبث حتى قام القومُ كلهم واصطفوا مُرحبين بثلاثة: شيخ طاعن في السن ومعه غلامان، سالت في شانهما فقالوا لي: هو ولي العهد وحاجب حاكم الايالة ويقال له “بن تيشة”. ثم قال حاكم الايالة “هاذا هو بن برويطة؟”، فقلت “ابن بطوطة، اصلح الله الامير” فقال “تي الكله قازوز، برويطه، بطاطا، بطوطه”، ثم سالني “من البلدية متاع طنجة او من العربان”، فهمس لي ابن منظور “قل له بانك ولد الرّبط متاع طنجة”، فقلتُ كما قال فأُسرّ بذلك، ثم قال لي: “تُعيّرنا انا قليل عديدنا فقلتُ لها ان الكرام قليلُ”، فقلتُ : جميل، ولكن ما علاقة المقام بالمقال؟ فلكزني ابن منظور وهمس “ذلك هو البيت الوحيد الذي يحفظه وهو يعيده بدون مرعاة للسياق”. فقلتُ لصاحب الايالة “اصلح الله الامير، انا رجل رحّالة، اكتُبُ عن البلدان، واودُّ ان اكتب شيئا عن بلادك ورعيتك، فما هو “الكوع” وما هو “البوع” وما علاقتهما بـ”الاقلاع”؟، فقال “الكوعُ هو اعلى مراحل البوع، والاقلاعُ هو عصر الزّنباع”. فتظاهرتُ بانني قد فهمتُ شيئا. ثم نطق بن تيشة فقال “يا بن بطوطه لقد اتينا بك لامر مهم: نريدك ان “تُفبرك” لنا شيئا عن “سيدنا حوس” وتقول انه من الانبياء”، فقلت “لقد جُبتُ الارض من الهند الي السند ولم اسمع بهذا الرسول، ولا استطيعُ ان اكذب على الانبياء”، فقال “فبرك لنا اي شيئ حتى يكون لنا ذلك سندا وحُجّة، وسوف نفرح بيك”، فاستغفرت من الله واعتذرتُ فقال “طيب، لقد اضاف احد منا آية الي القران ونُريدك ان تجد لنا مخرجا”، فقلت “لم استطع ان اكذب على الانبياء وتريدني ان اكذب على الله؟” فنطق حاكم الايالة “تي برا رهّز، ما تعيش كان فقير”.. ثم سمعنا جلبة وصياحا في الخارج “يحيا المرزوقي، يحيا المرزوقي”، فصاح ولي العهد “شُقُوق، شُقُوق مرزوق” وصاح الحاجبُ الاعظم “اطراف اطراف، حراك حراك”، وحدثت فوضى انتهزتها فقفزتُ على فرسي وفي أُذنيّ “حراك حراك”، فما زلتُ أُجهدُها حتى بلغتُ “تبسّة”.
-تبسّة، كانون الثاني من عام الاقلاع بالتقويم السبساوي-