كش مات
بخلاف أنّها عاصمة الجنوب ومدينة المليون ساكن ذات الإمضاء المميّز للتجارة والصّناعة، فإنّ صفاقس احتلّت في شموخ وعلى مرّ التاريخ مكانة القلعة الأبيّة الرّافضة للظلم والذلّ فكانت الشوكة الحادّة في مفرق رأس الحاكمين…
وكذا كان الأمر مع الدكتاتوريّة البنفسجيّة، بعد أن قامت المظاهرات في ربوع الوطن من شماله إلى جنوبه وحمى وطيس الثورة الشعبيّة والتحمت الجماهير الغاضبة ببعضها تعمر شوارع وساحات البلاد طيلة أيام الحراك الثوري، جاء دور صفاقس يوم الثاني عشر من جانفي 2011 في تحرّك عارم غاضب تخوضه جماهير من كل الأعمار والمستويات ومن مختلف المشارب اتّحدت على الشّعار المزلزل -الشّعب يريد إسقاط النّظام- شعار حرّك المكامن وبدّد ما بقي من خوف ووجلٍ، شعارٌ انطلق مدويّا عاليا من حناجر المستضعفين والمكلومين من نيْر ونار وحديد ما يزيد على عقدين من زمن الوشاية والجبروت والسّجون والمعتقلات والفساد والإستبداد لدكتاتوريّة جاهلة جهلاء ولغطرسة ولصوصيّة عصابات البلاط، زمن كان فيه الوطن مزرعة خاصّة للطرابلسية وأذيالهم، شعار ارتفع عاليا في السّماء ليصل أسماع ساكني قرطاج قبل أن يوشي به قوّادة التجمّع في تقاريرهم الإستخبارتيّة على مدار السّاعة.
(إرحل، ديقاج والشّعب يريد أن يسقط النّظام) عندما امتزجت هذه الصّيحات بالوعي والإرادة كانت كافية لأن تبدّد الخوف ولأن ينجلي الظلم ولأن تنكسر القيود ولأن تندفع أمواج تلك الجماهير الهادرة للإتّجاه نحو دار الإستخبارات التي كانت قلعة ممنوعة على عموم الشّعب، دار الحزب ليضرموا فيها النّار،،، فكان هذا نُطقا وإيذانا صريحا بتنفيذ حكم الشّعب في أكبر رمزيّة للدكتاتور المدحور، حكما وفعلا جماهيريّا كان كافيا ليملأ قلب النّظام ذعرا وهلعا قضيا على آخر أمل له في مزيد البقاء،،، كان ذلك لأنّه وزبانيّته يعلمون يقينا أنّ صفاقس إذا أقسمت لن تحنث وإذا غضبت لن ترجع أيضا أبدا،،، فكان برّ القسم ووفاء الغضب وسقط عرش دكتاتوريّة البوليس والحديد والنّار من بعدها وفرّ الجنرال هاربا.