جهلوتٌ غير أنّهم جامعيّون
أُصبنا وكان المُصاب جللٌ، أُصبنا في بعضٍ من نخْبتنا المحسوبة على التنوّر وصفاء البصيرة ونقاء العقل، نُخبة كان الأولى والأجدى والأنفع أن تقود الوعْي العام و -تصنع- الرّأي العام وأن تهدي للّتي هي أقوم، نخبةٌ كان من المفروض أن تكون في القيادة والرّيادة، ترفع عن مواطنيها الضّيم والجهل وأن تقودها إلى درجات الإرتقاء أدبيّا، ماديّا وعلميّا علّها تلامس مصافّ الدول النّاجحة إقتصاديّا وعلميّا واجتماعيّا وأخلاقيّا…
لكــــــــن بمعيار -يا خيبة المسعى- كان ناتج عقود من العلم والتعلّم لهذه المجاميع من (الجامعيين)، عقود صرفها المال العام على تكويناتهم وبحوثاتهم وسفراتهم وتخصّصاتهم، بعد كل هذه العقود يطلّ علينا هذا -البعض- مستغلاّ الثغرات ومتسلّحا بسلاطة لسانه وقباحة فكره ووقاحة طبعه ليتفوّه علينا بما يؤذينا في ديننا و -يشلّك- هويّتنا ويعتدي على قِيمنا وكذلك ليُعمل جهلوته المدقع في شريعتنا ومعتقداتنا و-يفتّق- شذوذاته الفكريّة على أسماعنا…
أبَعْد هذه (المكاسب) هناك مكاسب أخرى سيجنيها البلد من سلالة الحداثة والنّمط وسدَنة الفرنكوفونيّة والرّعاة الرسميين لبقايا الإيديولوجيات المهترئة…؟
هؤلاء البقايا للمدرسة العلمانيّة البورقيبيّة (على فكرة انقلب السّحر على السّاحر فمنهم من انقلب على صنمهم الأوحد وقال فيه ما لم يقل مالك في الخمر)، بقايا المدرسة البورقيبيّة وكذلك حصاد السّنين العجاف من الدكتاتوريّة الجهلاء التي مرّت بالبلاد فطمست معالم هويّتها وحاصرت دينها… هؤلاء البقايا حتى وإن لم نذكر أسماءهم فهم معروفون لدى القاصي والدّاني وبلغت إذايتهم الخاصّ والعام، يعربدون صباحا مساء (ويوم الأحد) في دكاكين إعلام العار والمذلّة، تذكّي جهلوتهم فرق إفساد إعلاميّة لا تفقه كثيرا في ما يقولون، فقط هي تفقه في قيمة الكاشيات المدفوعة على (خدمات الهانة) وتكنه في توظيف هذه الشطحات في تلهية الشعب عن حقوقه وواجباته تُجاه الوطن.
جهلوت غير أنّهم جامعيّون، لا يحملون إلا الفكر اليساري الإستئصالي ولا يدينون إلا بالتطرّف الإيديولوجي ولا يؤمنون أبدا بالتقارب ولا بالتحاور أيضا وإن زيّنوا به (نفاقا) بعض خطاباتهم، ولكم في صيتهم الذي جاوز الحدود وسبقهم خارج الوطن خير دليل على هذا المعدن الرّخيص،،، جهلوتٌ لم يرَ منهم مواطنوهم غير الأذيّة وفحش السّلوكات ونشاز و -بَوازْ- الفكر والقول.
لكن -المصيبة والطامّة الكبرى- لا تقف عند فساد شطحاتهم الفقاعيّة، بل تتعدّى ذلك لأنّ هذه العُصبة الخائبة هي للأسف كوادر جامعيّة عُهد إليها تكوين وتعليم ورسكلة فلذات أكبادنا وراء أسوار المعاهد والجامعات…! ولهم من الباع ومن الصّلاحيّات المطلقة ما يفسدون به عقول النّاشئة باستعمال النفوذ واستغلال فوقيّة الرّتبة، أيضا لهم التحكّم في مجريات الدّروس وماهيتها وتوجّهها وكذلك الإمتحانات وشهائد التخرّج والنجاح والرّسوب وهذه لعمري أتعس بكثير وأكثر خطرا وأشدّ مضاضةً. ومن لم يفهمها عليه بآخر إحصائيّة لمجلّة -تايم هاير إيدوكايشن- الأمريكيّة والمتخصّصة في الدراسات العليا، هذه المجلّة أصدرت غير بعيد ترتيبا لجامعات العالم وصل إلى حدّ الرّتبة ((800))، والخيبة أنّه ولا جامعة من جامعات بلادنا كانت ضمنهم…!